داعمون يحاربون النظام سياسيا

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
سبت, 2025-01-18 11:22

بقلم: محمد الأمين ولد الفاضل

  أتابع منذ أيام نقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي في غير صالح النظام الحاكم، وإذا كان من الطبيعي جدا أن يُسَعِّر المدونون المعارضون تلك النقاشات، فإن الغريب حقا هو أن ينخرط فيها مدونون داعمون  للنظام.

 

مثل هذه الأخطاء، تتكرر دائما، ربما بسبب غياب رؤية إعلامية واضحة المعالم في مواقع التواصل الاجتماعي لدى داعمي النظام، وفي ظل غياب تلك الرؤية سيبقى الارتجال والاجتهاد الفردي هما سيدا الموقف، وسيبقى من الممكن دائما وضع الطعم في مواقع التواصل الاجتماعي، من هذا الطرف أو ذاك، لجر مدوني النظام إلى نقاش قضايا، يعدُّ نقاشها ـ ومن أي زاوية ـ  يضر النظام أكثر مما ينفعه.

ومن تلك القضايا، يمكننا أن نذكر ثلاثا:

1 ـ الحديث المبكر عن مرشح النظام المحتمل في العام 2029، فمن ينخرط الآن من داعمي النظام  في أي حديث من هذا القبيل، ولأي سبب كان، فإنما يحارب النظام إعلاميا وسياسيا بحديثه في هذا الموضوع، علم ذلك أو لم يعلم، قصد ذلك أو لم يقصده.

إن السياسة تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطنين، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للرئيس في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا  بأنه لا إنجازات تحققت تستحق أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

لا خلاف على أن حديث مدوني المعارضة في هذا الوقت المبكر عن "مرشحين مُتَخيلين" للنظام، وترجيح كفة بعضهم على البعض، اعتمادا على الخيال والإشاعات، قد يكون حديثا مقبولا على المستوى السياسي، حتى وإن كان غير مقبول أخلاقيا لاعتماده على الإشاعة والكذب، ومثل هذا الحديث لمن لا يعني له الكذب والتلفيق أي شيء، قد يدخل في صميم العمل المعارض، لأنه يهدف أساسا إلى إرباك النظام، وإلى قتل الأمل لدى المواطن، هذا فضلا عن كونه يخلق نوعا من عدم الثقة بين أركان النظام، ولكن الغريب حقا هو أن ينجرف مدونون محسوبون على النظام في مثل هذا الحديث، ومن يشارك منهم في نقاش كهذا، معززا هذه الفرضية أو تلك، إنما يقوم بعمل عدائي للرئيس أولا، ولنظامه الحاكم به ثانيا.

اللافت في الأمر أن الجهة السياسية التي  كان يفترض فيها أن تسمي مرشحها في وقت مبكر، وتبدأ في الدعاية له من أول عام من المأمورية الحالية هي المعارضة، ولكن المعارضة عاجزة عن ذلك لغياب الرؤية السياسية، ولما تعاني منه من تشظي وانشطار تزداد حدته عاما بعد عام، وهو ما يعني أن عجزها في اختيار مرشح توافقي سيبقى قائما إلى ما بعد انتخابات 2029، وهذا استشرافي بخصوص المعارضة. أما الأغلبية فما يخدمها سياسيا وإعلاميا هو أن تؤخر الحديث عن هذا الموضوع إلى آخر سنة من المأمورية الحالية، ولكن بعض مدونيها يبدو أنه استعجل الأمر، وانخرط ـ بالتالي ـ  في موجة التخمينات التي أطلقت عن إمكانية ترشيح فلان أو علان.

لستُ بحاجة للقول بأن الأسماء التي تذكر حاليا ما هي إلا مجرد تخمينات ليس لها ما يدعمها، وأي مدون داعم للنظام يروج لهذا الوزير أو ذاك العسكري المتقاعد، أو ذلك الموظف السامي، بوصفه مرشحا مفترضا للرئيس في العام 2029، إنما يضر من يروج له من حيث أراد أن ينفعه. ويمكنني أن أجزم تحليليا، واعتمادا على اختيارات الرئيس في مأموريته السابقة،، حيث ظلت الاختيارات  بالنسبة لوزرائه الأول أو لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الإنصاف حاليا)، أو لبعض الوظائف السامية الأخرى، ظلت كلها خارج دائرة التوقع حتى أعلن هو عنها. أقول يمكنني أن أجزم تحليليا بأن هذا الأسلوب لن يتغير، ومن الراجح عندي أن مرشح الرئيس في العام 2029 لن يعلن عنه ولن يعرف إلا في آخر لحظة، ولا أحد سيكون بإمكانه أن يتكهن به اليوم أو غدا، ولا أن يجزم الآن بأنه سيكون من بين الأشخاص المتوقعين أو غير المتوقعين من قبل أن يعلن عنه الرئيس في آخر لحظة، وهذا هو استشرافي لمرشح النظام في العام 2029.

2 ـ وتأتي في الرتبة الثانية من قائمة المواضيع التي يعتبر نقاشها يضر النظام  أكثر مما ينفعه، المشاركة في أي نقاش من أي نوع يتحدث عن وجود منافسة وهمية على المستوى الإعلامي أو السياسي  بين الرئيس ووزيره الأول.

مثل هذه المنافسة التي يتخيلها البعض لا يمكن أن تقع، والحديث عنها بلا معنى، فالرئيس هو من عين الوزير الأول، وهو القادر على إقالته في أي وقت، وكلما يقوم به الوزير الأول من عمل صالح يُحسب سياسيا وإعلاميا للرئيس، وكلما يرتكب من أخطاء سيحسب سلبا على الرئيس، فالرئيس ووزيره الأول  في كفة واحدة إعلاميا وسياسيا، فأي دعاية إعلامية وسياسية للوزير الأول هي دعاية للرئيس، وأي  حملة إعلامية أو سياسية ضد الوزير الأول هي حملة إعلامية وسياسية ضد الرئيس الذي عين الوزير الأول واختاره من بين بدائل أخرى  ليكون وزيرا أول في بداية مأموريته الثانية المثقلة بما يُعلق عليها المواطنون من آمال. وتبقى هناك جزئية خاصة بطبيعة الوزير الأول الحالي، وهي جزئية قد ينتقده البعض بسببها، وقد يمدحه البعض الآخر بسببها، وهي في كل الأحوال تنفي وجود ما يتحدث عنه البعض من إمكانية وجود تنافس إعلامي أو سياسي، فالوزير الأول الحالي معروف بأنه من الذين لا يدخرون جهدا في إرضاء الرئيس الذي يشتغل تحت إمرته، ومن هنا تسقط نهائيا أي فرضية يمكن أن تطرح عن وجود مثل ذلك التنافس. 

إن كل ما قيل في هذا الموضوع يتعلق بفخ آخر نصبه بعض معارضي النظام ووقع فيه ـ وبكل براءة ـ بعض المدونين المحسوبين على النظام.

الفخ تم نصبه بعد تزامن زيارتين، لم يكن من الموضوعي إطلاقا أن يُقارن بين تغطيتهما الإعلامية،  فالزيارة الأولى كانت للرئيس السوداني الذي يعاني بلده من حرب أهلية، يقودها  من ينازعه في السلطة، وقد جاء إلى موريتانيا في إطار زيارة ستشمل دولا أخرى، جاء مرفقا بمدير مخابراته وبعض القادة العسكريين الآخرين، ولذا فملفات الزيارة أقرب إلى السرية، وهذا يعني أنه كلما أبعدت الزيارة وملفاتها عن الإعلام، كلما كان ذلك أفضل، 

يزيد من احتمالات نجاحها، وعلى العكس من ذلك، فإن الزيارة الثانية التي قام به الوزير الأول السنغالي، والذي يمثل نظاما حاكما لا يمكن الطعن في شرعيته من أي سنغالي، ضمت وفدا كبيرا من الوزراء ورجال الأعمال، وقد جاؤوا لنقاش قضايا وملفات اقتصادية وسياسية كبرى تهم البلدين، وهو ما يعني أن نجاح هذه الزيارة يرتبط أولا بما سيتم التوصل له من اتفاقيات، ويرتبط ثانيا بمستوى التداول الإعلامي والسياسي معها، وهو ما استوجب أن تُحظى بمواكبة إعلامية واسعة، وهي المواكبة التي انتقدها البعض، ناسيا أنه كان ينتقد في وقت قريب جدا الوزير الأول السابق لعدم اهتمامه بالإعلام، ولتقصيره في تسويق العمل الحكومي للرأي العام الوطني.

بكلمة واحدة، لا تنافس إعلامي يمكن أن يحدث بين الرئيس ووزيره الأول، وحتى إذا افترضنا جدلا أن مثل هذا التنافس يمكن أن يقع بين رئيس ووزيره الأول، فلن يكون ذلك في عهد الوزير الأول الحالي المعروف بمدى استماتته في خدمة وإرضاء الرئيس الذي يشتغل تحت إمرته.

3 ـ وتأتي في الرتبة الثالثة من قائمة المواضيع التي يعتبر نقاشها يضر النظام  أكثر مما ينفعه المشاركة في أي حديث من أي نوع عن وجود أقطاب تتنافس داخل النظام.

لا يعني هذا الكلام بأنه لا يجب أن ننتقد هذا الوزير أو ذاك إن قصر في عمله، فأنا من الذين يشجعون انتقاد العمل الحكومي من طرف داعمي النظام، مع ضرورة أن يكون لذلك النقد ضوابطه، وأن يكون الهدف منه هو تحسين الأداء الحكومي، ولا شيء غير ذلك.

أقول، لا يعني هذا الكلام بأنه على من يدعم النظام أن لا ينتقد هذا الوزير أو ذاك إن قصر في عمله، وإنما يعني فقط أن لا ننتقد هذا الوزير أو ذاك أو نمتدح هذا الوزير أو ذاك دعما لحلف وهمي نتخيله، أو مناصبة العداء لحلف وهمي آخر نتخيله.

على من يقوم بذلك، معتقدا أنه يدعم الرئيس، أن يتوقف عن هذا الفعل الذي يضر الرئيس أكثر من غيره، ومن لم يستطع أن يتوقف عن مثل هذا الفعل، عليه أن يكون شجاعا، وينخرط علنا في العمل المعارض، ويتفرغ  بالتالي للنقد المباشر للرئيس، فالمعارضة ـ وكما هو الحال بالنسبة للموالاة ـ ليست عيبا، وإنما هي مجرد خيار سياسي لمن اقتنع بها.

إن ما  يمكن أن تُنتقد عليه هنا هو أن ترفع شعار الانتماء للمعارضة، وتعمل في الخفاء ضدها، أو ترفع شعار الموالاة، وتعمل في الخفاء ضد الرئيس، وفي اعتقادي الشخصي فإن كل من يتحدث الآن عن مرشح النظام في العام 2029، أوعن وجود منافسة إعلامية بين الرئاسة والوزارة الأولى، أو يغذي إعلاميا الصراع  بين أقطاب النظام ، إن من يفعل أي شيء من ذلك، إنما يعمل ضد الرئيس، حتى وإن رفع شعار دعمه عاليا.

حفظ الله موريتانيا..