«الآخر» في كتابات نساء عصر النهضة

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
ثلاثاء, 2014-11-04 11:22

تشكل المرأة موضوعا سجاليا في مستوى التغيير الاجتماعي لأي مجتمع، على اعتبار أن تغيير الصور الثابتة حولها من شأنه أن يحرر الذاكرة، ويهيئ التفكير لتقبل واستقبال صور غير مألوفة.
وإذا كانت مرحلة النهضة العربية قد عرفت انشغالا فكريا بقضية المرأة والدعوة إلى تعليمها، وتحسين وضعيتها الاجتماعية والقانونية، فإننا نثير الانتباه إلى مسألة نراها مهمة في هذا الشأن، تتعلق بصوت المرأة العربية في هذه المرحلة، وبإنتاجها لخطاب تميز – في زمنه – بجرأة الطرح على السائد في المفاهيم الثقافية والعلمية والاجتماعية، وهو خطاب خرق أفقـيـة الصور المألوفة، والمعرفة السائدة، غير أن المتلقي لهذا الخطاب لم ينتبه إلى تمظهرات الإدراكات الجديدة التي أنتجتها المرأة العربية، عندما عبرت بصوتها وقلمها عن وجهة نظرها حول قضايا تخص المجتمع والإنسان والحضارة. 
إن استحضار خطاب المرأة، والوقوف عند نظام بنائه، وطريقة صوغه للعالم، وطبيعة إدراكه للأشياء، نعتبره في تصورنا اقترابا من معرفة ما تزال بكرا من حيث التلقي، والمقاربة، وإضاءة لأسئلة قد يساهم تفكيكها في إعادة النظر في فرضيات معرفية دعمتها سلطة الثقافة السائدة.
وبإعادة قراءة إنتاج المرأة التعبيري، وتمثلاته للمفاهيم والقيم، نعيد للفكر البشري مشروعية توازنه، من حيث النظر إلى الكائن الإنساني بدون تمييز جنسي أو عنصري. وبهذا التوجه المعرفي – الموضوعي يعيد الدرس النسائي التوازن إلى المعرفة، ويؤسس لثقافة أكثر انفتاحا، وإيمانا بالاختلاف. إن في هذا الفعل إعادة النظر في أشكال التوثيق والتأريخ والتدوين، ومن ثمة، في شكل الحضارة كما صيغت لنا في المصادر.
تعد أنطولوجيا زينب فواز العاملي «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور» (1) 1895، التي جاءت عبارة عن توثيق تاريخ النساء اللواتي أبدعن في الموقف والكلمة، في الفصاحة واللغة، في الشعر والنثر، في الفلسفة والفكر، ابتداء من العصر الجاهلي إلى حدود القرن 19، من الأعمال التي أرَخت لفكر المرأة العربية خلال القرن التاسع عشر. فقد دونت الأديبة زينب فواز العاملي في هذه الأنطولوجيا إلى جانب توثيق فعل المرأة عبر العصور، بعض المقالات لكاتبات عصرها. وهي مقالات تكشف عن نوعية انشغالات الخطاب النسائي العربي، وموقف النساء من عملية المثاقفة في إطار العلاقة مع الغرب في عصرها. تقول:»ليعلم قراؤه أن عصرنا هذا قد نبغت فيه نساء لم يتقدمن أحد من نوعهن في الأعصر الخالية، وما ذلك إلا بإعطائهن حقوقهن من ذويهن»(ص7). ولعل من بين أهم هذه الكتابات التي تؤرخ لحضور المرأة في التدبير المفاهيمي، وفي المساهمة في اقتراح تصورات حول قضايا اعتبرت أنذاك جوهرية، في ما يخص علاقة الذات العربية بالآخر الغربي الأوروبي، نلتقي بكتابات الكاتبة السورية سارة نوفل التي توثَق زينب فهمي العاملي لطروحاتها، وتصوراتها حول قضايا تخص المرأة والتعليم، واللغة، ثم ثنائية الأنا والآخر. غير أن ما يميز خطاب الكاتبة في تناولها لثنائية الأنا/الآخر، أنها اختارت سلوكا اجتماعيا – ثقافيا لتطرح من خلاله علاقة المرأة العربية مع المنتوج الغربي، وذلك في مقالتها «الموضة»، واعتمدت طريقة منهجية علمية من أجل الإقناع وتحفيز المرأة على استعمال العقل. 
تؤطر سارة نوفل خطابها الموجه إلى المرأة العربية حول «الموضة» بمقدمة تُذكَر فيها بالسياق الاجتماعي للمرأة العربية بشأن اختيارها للباسها، وعلاقة ذلك الاختيار بالزوج والأخ والابن، ثم بداية خروج المرأة من اعتماد اختيارات الرجل، لتمارس فعل الاختيار الذاتي في اللباس، بعدما انفتح العالم العربي على أوروبا، وتأثرت المرأة العربية بهذا الانفتاح بتقليدها للمرأة الغربية الفرنسية والإنكليزية. 
بعد المقدمة الافتتاحية عن مظاهر التحول الاجتماعي لدى المرأة العربية، تدخل الكاتبة سارة نوفل صلب الموضوع، وتكتب: «ومن البديهي المقرر في الأذهان أن الأثواب الضيقة جدا هي وحدها عثرة للدورة الدموية في جسم لابسها، ومتى اختل نظام هذه الدورة الطبيعي كان الجسم معرضا لكثرة من الأمراض، فكيف لو شدت النساء خصورهن بمشد موسوم بلغة الافرنج (بكورسيه) أو (بوسطوري) حبال متينة وأضلاع حديدية لا يقوى على احتمال قوتها الضاغطة جسم، أو ضممن أرجلهن وأصابعهن بأحذية لا نقدر أن نفيها حق التشبيه إلا بقولنا بالأحذية الصينية صغرا وقالبا حتى لا يستطعن بعد ذلك أن يأكلن بلذة أو يمشين مستقيمات بحرية، بل نرى الواحدة منا مع هذه المضايقة وذاك الأسر ممسكة بأذيال هذه العادة الوخيمة صاغرة لأحكامها الصارمة قائمة بأمرها إلى ما شاء الله..» (ص 15). 
تعتمد سارة نوفل في تقديم تصورها حول تقليد المرأة العربية للمرأة الغربية، على المقاربة العلمية لنوعية اللباس الغربي، وتعرض سلبياته على مستوى صحة المرأة العربية. إنها لا تدعو إلى رفض هذه الموضة، باعتبارها استيرادا غربيا من باب رفض الغرب /الآخر، كما لا يعتمد خطابها معجم الكراهية للآخر، إنما ركزت على الخلل الذي تسببه هذه الموضة في الصحة، من خلال المشد الحديدي الذي كان يميز موضة القرن التاسع عشر. وعوض ذلك، تدعو الكاتبة النساء العربيات إلى تشغيل العقل، وتنشيط التفكير، حتى لا يقلدن شيئا ضد صحتهن. بالمقابل تدعو إلى تقليد العقل الغربي، أو ما كان يصطلح عليه بالعقل الإفرنجي.
تعد المقاربة العلمية للموضة في خطاب سارة نوفل، مدخلا للدعوة للتفكير في كل منتوج قادم من الآخر، وطريقة منهجية لاستمالة المتلقية العربية، وجعلها ترافق الكاتبة في بنائها لتصورها حول شكل العلاقة مع الغرب/الآخر، إذ بعد تحديد الإكراهات الصحية التي يمكن أن تنتج عن هذا النوع من الموضة، تنتقل الكاتبة إلى الحديث عن السقوط في الخضوع والانصياع للآخر بسبب التقليد. تقول: «أثواب الأزياء الجديدة الحاكمة علينا بالخضوع لإحكام التقليد واستبداده، فضلا عما يلهيها من الإسراف والتبذير، (ص 15). كما يحمل هذا الفعل التقليدي لسلوكيات الغرب الخراب للبلاد. تقول:».. المودة العائدة بخراب بلادنا والمنفعة لغيرها من البلاد التي تختلق لنا لزوم ما لا يلزم فنتهافت إلى ابتياعه ولا تهافت الجياع إلى القطاع حالة…» (ص 16).
غير أن مطلبها في التخلي عن الموضة، لا يجعلها تقدم موقفا رافضا للغرب كله، إنما فقط للأشياء التي تؤدي إلى الخراب بدليل قولها «فعلينا أن نترك التقاليد الافرنجية ونتمسك بأحاسن العوائد التي يمكننا أن نقتطفها من مجموع عوائد الغربيين والشرقيين» (ص 16). ولهذا، فهي تتمنى لو يتم تقليد الفكر والعقل الغربيين :»وحبـذا لو اقتدينـا بعقائل نسـاء الإفرنج اللواتي لا يملن إلا إلى الجد والصالح» (ص 16). إن اللافت في خطاب الكاتبة، ليس نوعية الموضوع «الموضة»، أو الدعوة إلى تشغيل التفكير، إنما ما يثير الاهتمام في قولها، هو طريقة بناء الخطاب، بشكل مرتب وممنهج، يعتمد استحضار المتلقي في شكل الكتابة، وينتصر للتحليل العقلي المنطقي، الذي يجعل المتلقي يأخذ بالاقتراح، أو على الأقل، يحفزه الاقتراح على التفكير. يعد تحليل الخطاب النسائي زمن النهضة، مدخلا منهجيا- معرفيا لإعادة بناء منظومة المفاهيم والتصورات التي صاغتها الكاتبة العربية، وساهمت من خلالها في خطاب النهضة، وعبرت عبرها عن زمن وجودها المعرفي في بناء التصورات، وتحديد المفاهيم. إن العودة إلى قراءة خطاب النهضة، من خلال قول المرأة يعد إمكانية من الإمكانيات الممكنة التي تعيد الاعتبار إلى التفكير العربي في مساحاته الإيجابية.

(1) العاملي زينب بنت يوسف: «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور»
الناشر، دار المعرفة للطباعة والنشر
بيروت- لبنان

٭ كاتبة مغربية*

زهور كرام