البارحة وأنا أناقش مآلات عملية فرز الأصوات المتعلقة بالاستحقاقات الرئاسية 21 جوان 2014 خرجتُ بالكثير من النتائج المتعلقة بمفاهيم موغلة في العاطفة عن واقع العملية الانتخابية وعن تداعيات النتائج النهائية، حيث أن غالبية من كنت أناقش معهم يحملون بعدا رمزيا وعاطفيا في تعاطيهم مع بعض المرشحين وخصوصا المرشح "بيرام ولد الداه ولد اعبيدي" الذي كنت أتوقع حصوله على المركز الثاني خلف المرشح "محمد ولد عبد العزيز". وبينما كنت أشرح وجهة نظري من منظور "سوسيولوجي" يروم ــ في تحليله للواقع ــ الاستنادَ على الكثير من المعطيات التي تجمعت عندي وذلك من خلال الدراسة الميدانية التي قمت بها عن واقع شعبية "بيرام" عن طريق مقابلات عديدة أجريتها مع عينات متعددة من مختلف فئات الشعب الموريتاني ظهر لي أن هناك سوء فهم في المحتوى الدلالي والخطابي لخطاب "بيرام"، وبالتالي ولّدَ ذلك نوعا من "التقوقع" العاطفي ضد الرجل الذي نجح إلى حد بعيد في كسب ثقة غالبية القواعد الشعبية من " لحراطين " و " لكور" وبعض "البيظان" الساخطين على "عزيز" والذين لم يستطع "بيجل" شراء ذممهم.
إن واقع الخطاب الذي ظهر به المرشح بيرام ليس بذلك الخطاب الساذج الذي يتوقعه البعض، فخطاب الرجل يحمل في ثناياه تعبيرا "لاشعوريا" عن كافة مايختلج في نفس كل إنسان "حرطاني" حالم بالعدل والمساواة، وفي هذا بعد دلالي ورسالة ضمنية أنه مادام بيرام قد استطاع الوصول إلى كنه تمفصلات الحياة الاجتماعية لدى "الطبقات المسحوقة" فهذا يعني أنه قد ضمن ــ إلى حد بعيد ــ الظفر بثقة المثقفين والأطر من هذه الطبقات حتى وإن لم يعلنوا ذلك خوفا على مصالحهم.
إن الحتمية التاريخية كفيلة بإفراز واقع كهذا في مجتمع كان إلى عهد قريب لا يرى أن الحقوق المدنية مكفولة لكل إنسان بعيدا عن سلطة القبيلة وعن تجاذبات الفهم السطحي للمؤثرات الدينية وغيرها حيث شكل بروز هذا التيار في خضم هذه الاستحقاقات نوعا من التغير الاجتماعي في منظومة القيم العتيقة وفي وعي الناس بضرورة التجاوز إلي فضاءات أرحب تكون فيها الدولة دولة قانون ويكون المجتمع مجتمعا مدنيا يحتضن كل "الإثنيات" ويتجاوز كل الاختلالات البنيوية التي قد تعصف بالنسيج الاجتماعي، حيث قد شكل برامه تيارا يحمل في بعده القيمي عداء مفرطا لشريحة كانت هي المعنية في الدرجة الاولى بخطاباته التي يرى بعض المنتمين لهذه الشريحة أنها جارحة وأنها ساذجة وأنها لن تجد آذانـــــــــــا صــــاغـــية فــــي جـــمهــــور "لـــحراطــــــين" وغـــــيرهـــــــم.
لكن النتائج التي خرجت اليوم أثبتت العكس، وأفادت أن هذه الخطابات قد وصلت بالرغم من كل الاكراهات التي اعترضت مسار الرجل؛ حيث حاولت الدولة العميقة احتواء ذلك وتشويه صورة الرجل ومن يحيطون به، وقامت تيارات أخري بنفس الشيء، لكن الرجل عرف كيف يكسب قناعة محبيه لأنه يمتلك حسا حقوقيا طالما انتظرته جماهير "لحراطين".
إن هذه التجاذبات التي يشهدها المجتمع الموريتاني في الآونة الأخيرة لابد أن يُنظر إليها من منظور علمي يراعي في الأساس طبيعة التحولات الاجتماعية التي يشهدها الوعي "الشرائحي" بصورة عامة، وشريحة "لحراطين" بصورة خاصة، حيث تكون السيناريوهات المحتملة كثيرة وخطيرة وتتهدد بنية هذا المجتمع الذي يجب أن يستوعب مثقفوه من شريحة "البيظان" أن "بيرام" ليس فقط " عبد ايدادهس " الساذج الجاهل، إنما "بيرام" رقم صعب في المشهد السياسي والاجتماعي والحقوقي في موريتانيا، لذلك وجب النظر إلى الأمر من زاوية علمية تروم فهم الوقع الذي أفرز "بيرام" وخوله نسبة معتبرة من أصوات الشعب الموريتاني، وذلك بالرغم من ضعف الامكانيات وضعف الكادر البشري الذي يعمل معه، والحملات التي تشن عليه تحت يافطات عديدة من أبرزها الدين والعرق وغيرها من العوائق التي قد تعيق مساره النضالي والسياسي .
فهل من مدكر في عمق خطاب بيرام وتجلياته في الواقع السياسي والاجتماعي والحقوقي اليوم ؟
عبد الله الزين
باحث وطالب دراسات عليا في السوسيولوجيا
الرباط/ المملكة المغربية
22/ 6/ 2014