الصيد التقليدي في موريتانيا… مهنة على حافة الزوال وآلاف الأسر في مواجهة المجهول

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أربعاء, 2025-12-24 08:52

يعيش الصيد التقليدي في موريتانيا واحدة من أدق مراحله التاريخية، في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والبيئية، وتتقاطع فيه المصالح الكبرى مع هشاشة الفاعلين الصغار. قطاع لطالما شكّل العمود الفقري للاقتصاد البحري الوطني، بات اليوم مهددًا في وجوده، ما يضع آلاف الأسر الموريتانية على صفيح ساخن.

ويُعد الصيد التقليدي مصدرًا مباشرًا للعيش لما يقارب 66 ألف صياد، فيما تمتد آثاره الاقتصادية والاجتماعية لتشمل نحو 300 ألف وظيفة غير مباشرة، من نقل وتسويق وخدمات مرافقة. كما يساهم هذا النمط من الصيد بحوالي 80 في المائة من الإنتاج السمكي الوطني، ما يجعله ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي، خاصة في المدن الساحلية مثل نواذيبو، انوامغار، وتيشيت، حيث ترتبط حياة السكان اليومية بإيقاع البحر.

ورغم أن موريتانيا سجلت إنتاجًا سمكيًا بلغ حوالي 1.53 مليون طن سنة 2023، إلا أن هذا الرقم يخفي مفارقة مقلقة، إذ لا ينعكس هذا الوفرة على أوضاع الصيادين التقليديين، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة واقع صعب، عنوانه الأبرز تراجع المخزونات السمكية واحتدام المنافسة غير المتكافئة.

سفن عملاقة وضيق في الأفق

يشكو الصيادون التقليديون من زحف السفن الصناعية الكبيرة نحو المناطق القريبة من السواحل، حيث تُستنزف الموارد البحرية بسرعة تفوق قدرة الطبيعة على التجدد. هذا الوضع يدفع القوارب الصغيرة إلى الإبحار لمسافات أبعد، في ظروف بحرية أكثر خطورة، وبتكاليف متزايدة لا تتناسب مع مردودية الرحلات.

ويمثل الوقود وحده نحو 40 في المائة من كلفة الرحلة البحرية، وهو عبء ثقيل في ظل ضعف الدعم وغياب آليات حماية فعالة. كما تزيد هشاشة المرافئ، ونقص البنية التحتية، وغياب وحدات التبريد والتخزين من تعقيد الوضع، حيث يُجبر الصيادون أحيانًا على بيع منتوجهم بأثمان بخسة تفاديًا لتلفه.

تهديد اجتماعي يتجاوز البحر

لا يقتصر أثر هذه الأزمة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليضرب النسيج الاجتماعي للمجتمعات الساحلية. فمع تراجع الدخل وغياب الاستقرار، يعزف الشباب عن ممارسة الصيد التقليدي، ما يهدد بانقطاع نقل الخبرة البحرية المتوارثة، ويفتح الباب أمام الهجرة أو البطالة في مناطق تعاني أصلًا من محدودية البدائل الاقتصادية.

وفي المقابل، تستحوذ الصناعات الكبرى على النصيب الأوفر من العائدات، في ظل اختلال واضح في توزيع القيمة المضافة للثروة السمكية، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول العدالة الاقتصادية واستدامة السياسات البحرية الحالية.

مطالب ملحّة قبل فوات الأوان

أمام هذا الواقع، يرفع الصيادون التقليديون جملة من المطالب، في مقدمتها إعادة النظر في نظام التراخيص والحصص بما يضمن نصيبًا عادلًا للصيد التقليدي، إلى جانب دعم القوارب والمعدات والوقود، وتأهيل المرافئ الساحلية، وإحداث وحدات تبريد وتثمين قريبة من مناطق الصيد.

كما يدعون إلى تشديد مراقبة الصيد الصناعي لحماية المخزونات السمكية من الاستنزاف، وتوفير التأمين الاجتماعي والتغطية الصحية للصيادين، فضلًا عن برامج تكوين مهني ترفع من قدراتهم التقنية وتحسن شروط السلامة في البحر.

مهنة وهوية في ميزان السياسات

الصيد التقليدي في موريتانيا ليس مجرد نشاط اقتصادي عابر، بل هو جزء من هوية ثقافية وتراث بحري عريق، ارتبط بالإنسان والبحر عبر أجيال. غير أن مستقبل هذه المهنة بات اليوم رهينًا بمدى قدرة السياسات العمومية على إحداث توازن بين الاستثمار الصناعي وحماية الفاعلين الصغار، وبين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على الموارد البحرية.

فإما إصلاحات جريئة تضمن الاستدامة والعدالة، أو استمرار النزيف إلى أن يصبح الصيد التقليدي ذكرى من الماضي، ومعه تضيع معيشة آلاف الأسر، وتُستنزف ثروة بحرية كانت يومًا مصدر قوة للبلاد.

المصدر