السخرية لدى الفلسطيني حسن أبودية بين المؤثرات والمخرجات

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
خميس, 2014-11-06 12:26

شكلت المؤثرات الاجتماعية لدى الكاتب حسن أبودية منطلقات ثرة في إخراجه للنصوص الساخرة، فمن هذه المؤثرات الفقر وما نتج عنه من تباين طبقي في المجتمع، فلا غرو فالفقر أفرز طبقة واسعة من الفقراء المعدمين، مقابل شريحة بسيطة من الأغنياء تستأثر بمزايا المجتمع وخيراته. ويضاف إلى ذلك ما للتباين الطبقي من انعكاسات على قطاع واسع من نفسيات الشباب، الذي مثل حضورا واضحا في كتابته الساخرة.
وقد أفرزت هذه المؤثرات مخرجات ساخرة شكلها القاص بمنحيين مجتمعين، وهما: الصورة الفوتوغرافية للحدث الثابت، والصورة الدرامية للحدث المتحرك، فقد حاول القاص حسن أبودية في كتابته الساخرة تضخيم عيوب المجتمع ومشكلاته وإبرازها في صورة كاريكاتورية؛ رغبة في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية أو سياسية، من دون اللجوء إلى المبتذل من المعنى والمبنى في آن معا. 
وتمثلت منطقيته في محاولة إقناع المتلقي للنص بجدوى عرضه الساخر بالالتصاق بقضايا تؤثر بقطاع واسع من المجتمع، ويمكن أن توصف هذه القضايا في حدها الأقصى بأنها مأساوية، مخرجا إياها بثوب ساخر تحت غطاء «شر البلية ما يضحك». ورغم انشغاله في إخراج قضاياه الساخرة في لوحات درامية قصيرة، إلا أنه التزم باللغة الفصيحة مغايرا الكثير من الكتاب الساخرين الذين آثروا الكتابة بالعامية، رغبة منهم في الوصول إلى أكبر مساحة من المتلقين لهذا النوع من الكتابة. ويضاف إلى ذلك – أيضا- ابتعاده عن النكتة الساخرة؛ خشية الوقوع في الابتذال والإسفاف. وستتعرض السطور اللاحقة لتحليل ثلاث لوحات من الصور الدرامية الساخرة لديه: 
اللوحة الأولى: «على الرصيف، كان حذاء يسير تائه الخطوات، وكلما وقف على مفترق طرق كانت الحيرة تبدو على محياه، يرفع حاجبي رباطه، ثم يواصل السير… تابعته عيون الأحذية بتطفل، همس حذاء أنيق لعله يبحث عن صاحبه» ( نصوص ثلاثية العذاب، حسن أبودية، فضاءات للنشر والتوزيع، 2010، ص105).
تتبدى من اللوحة الدرامية السابقة أن وقائعها مأخوذة من الرصيف الذي يرتاده الفقراء والأغنياء على حد سواء، كونه يمثل مسرح الحياة، مغتنما إياه في تصوير الفقراء الذين تواجههم الحيرة في سبل مدافعة الفقر. واظهر جمال سخريته «يرفع حاجبي رباطه» في إشارة إلى أن هذا الفقير يرفع صوته أحيانا بحثا عن حقوقه، ثم ما يلبث أن يقنع نفسه بالرضى ومتابعة المسير وسط دروب الحياة، ومن أساليب سخريته تصويره مراقبة الحضور «عيون الأحذية» حذاء الشاب تائه الخطوات، بالإكثار من استخدام ضمير الغائب في» رباطه، محياه، صاحبه».
وحاول الكاتب- أيضا- تصوير متابعة المتطفلين على الرصيف لما يدور حولهم، وتشكيل فرضيات متخيلة لما عند الآخر، حتى لو كان فقيرا. بمعنى أن الأغنياء يحشرون أنوفهم في شؤون الفقراء، ويحسدونهم على فقرهم!
اللوحة الثانية: «في اليوم الأول خرج (هو) ينتعل حذاء إلى العمل صباحا وعلى كتفه حقيبة سوداء فيها حاسوبه المحمول، في اليوم الثاني (هما) خرجا ينتعلان حذاءَين إلى العمل، ويحملان حقيبتين سوداوين… وفي اليوم الثالث (هم) خرجوا ينتعلون أحذية وحقائب سوداء.
وبعد أسبوع خرجت الحقائب صباحا للعمل، وظلت الأحذية ترابط أمام البيوت (نصوص ثلاثية العذاب، حسن أبودية، فضاءات للنشر والتوزيع، 2010، ص105).
استمد الكاتب مدار الحدث الساخر من مسيرة الروتين الصباحي، مستفيدا من الروابط الترتيبية في اللوحة وهو: الأول، الثاني، الثالث، ثم لفظ الأسبوع في سرعة نقل الأحداث.
وتمثل الحضور في اللوحة عن طريق تنوع الضمائر هو، هما، هم، مما أكسب الحدث الساخر إشراك المجموع العام في صياغة الحدث.
وتمثلت إيماءات الكاتب الساخرة من الأيدي العاملة التي ستحل محلها أجهزة الحاسوب، وسيتم الاستغناء عنها، وإحلال الأجهزة الإلكترونية مكانها، رغم ما يبدونه من نشاط بادٍ في خروجهم الصباحي إلى أعمالهم بجد وهمةٍ. 
تم التواصل في اللوحة بصيغة الفعل الماضي طوال حركة الحدث، والهدف العام من لوحته هو السخرية من الروتين وتبعات المدينة وسط تنازع الأيدي العاملة والحركة الإلكترونية حول من سيقود مسيرة الحركة العمالية. ورمز الكاتب إلى البقاء داخل المنازل بهزيمة الأيدي العاملة وانكسارها أمام التكنولوجيا بثبات الأحذية أمامها.
اللوحة الثالثة: «في زقاق فرعي ترابي، التقت أقدام حافية، وبسرعة البسطاء في التآلف تآلفوا وألفوا في ما بينهم جمعية تطالب بحقوق الأحذية»(نصوص ثلاثية العذاب، حسن أبودية، فضاءات للنشر والتوزيع، 2010، ص106)..
نسج الكاتب لوحته الساخرة من أحداث الواقع المعيش،واختار مكان الحدث «زقاق فرعي» مصورا مدى هروب أصحاب الأفكار المغايرة للمجموع العام إلى الشوارع الخلفية لطرح رؤاهم وتداولها بعيدا عن المغايرين لهم، وتمثل الحضور في اللوحة بضمير الجماعة، وجاء تخصيصه للحدث بأن ألفوا في ما بينهم جمعية تطالب بحقوق الأحذية، فموضوع اللوحة حديث الفقراء عن طريق عرض هموم البسطاء في المجتمع، والتقاؤهم في الأزقة الخلفية، وهنا ضمّن الكاتب لوحته رمزية كبيرة وهي السرية التي يمارسها معدمو القوم، وخوفهم من عالم المتسلطين، الذين عادة ما يكونون مغرمين بنعت البسطاء بأقذع الأوصاف، وتتبع عوراتهم رغم عريهم، واستطاع الكاتب توظيف عنوان الجمعية «جمعية تطالب بحقوق الأحذية» بإظهار السخرية من عملية تكميم أفواه البسطاء!
يظهر مما سبق، أن إيحاءات الكتابة الساخرة لدى الكاتب برزت بإظهار آليات التفكير الساذجة لدى الفقراء، ومن خلالها استطاع تطوير مضامين تصلح محركات للكتابة الساخرة، تستحق تسليط الضوء عليها، من دون أن يعرضها بعبارة مبتذلة، بل حافظ على اتزانها وسموها عبر لغة سهلة ممتنعة، ولم يصغها صياغة لغوية يصعب فهمها من المتلقين.

٭ كاتب فلسطيني

أيمن عليان