وفتاة الطقس هي تلك التي تقرا نشرة اخبار الطقس في المحطات التلفزية خاصة المحلية، والتي قد لا تملك مؤهلات غير اناقة الملبس ورشاقة الجسم وجمال الوجه وربما رخامة الصوت، وصارت مثل هذه الفتاة تمثل ظاهرة خاصة في امريكا، حيث هذه المحطات تنتشر انتشارا كبيرا، فلكل منطقة قناتها ولكل جماعة قناتها، وربما لكل مدينة صغيرة قناتها، وبسبب هذه المؤهلات الضئيلة فان فتاة النشرة الجوية قد لا تستمر كثيرا في مهنتها، لتأتي من هي اكثر منها جمالا وأناقة وعذوبة في الصوت تستلم منها الوظيفة، من دون ان تكون مؤهلة لتذهب الى منطقة اخرى لها الشهرة نفسها والذيوع والصيت نفسهما، فهذا يحدث لمذيعات بتأهيل عال وثقافة عامة وكفاءة مهنية، مثل بابرا ولترز التي يمكن اذا تركت قناة ان تذهب لاخرى تقرأ نشرات الاخبار وتدير طاولات الحوار وتجري المقابلات، او مثل اوبرا وينفري التي تنتقل من قناة تعمل بها الى قناة هي صاحبتها. اما قارئة النشرة المختصة بالطقس فهي تخرج من المحطة لتعود بائعة في دكان الملابس أو عاملة في ورشة الملابس، اي مهنة بدون شهرة واضواء بينما هي اثناء قراءتها لنشرة الاخبار فان صورتها تكون قد دخلت كل بيت في المجتمع الذي تعيش فيه واسمها صار على كل لسان، كأنها فرد من افراد أي عائلة، وتصبح احد نجوم البلدة او القرية او الحي الذي تعيش فيها يعرفها صاحب دكان البقالة وباعة السوبر ماركت وعمال محطة البنزين واذا كان اسمها مارجريت فان ماجي يكون هو اسم الدلع الذي يستقبلها به الناس في كل مكان تذهب اليه، ويهرعون اليها مرحبين مستعدين لخدمة هذه النجمة من نجوم المجتمع ونجوم التلفاز، والمشكلة تبدأ مع هذه الفتاة عندما تأتي تلك اللحظة التي يرى فيها اهل المحطة ان الفتاة قد استنفدت زمانها وحان لها ان تودع مكانها امام الكاميرا الى واحدة غيرها، وقد تفوز بوظيفة في المخازن وقد تذهب لتبحت عن وظيفة كالتي كانت تعمل بها قبل الدخول الى عالم الاضواء، وبعد اشهر قليلة يكون الترحيب الذي تعودت عليه قد بدأ يتضاءل والناس الذين كانوا يستقبلونها باعتبارها نجمة من نجوم المجتمع، قد تعودوا على نسيانها، تحول ذلك الاحتفاء الذي كانت تلقاه منهم، الى النجمة الجديدة التي اخذت مكانها في قراءة النشرة، وتمشي في الشارع فلا احد ينتبه اليها، ولا احد يبادرها بالتحية كما كانت ايام ظهورها اليومي على الشاشة، عادت انسانة مغمورة كما كانت، لا احد يعرفها غير الحلقة الصغيرة من اهلها وجيرانها، هنا تأتي الحالة التي يسمونها حالة فتاة النشرة، اي مرض الاكتئاب الذي تتعرض له ويتعرض له كل من تعود على حياة الاضواء ثم انسحبت منه، ولابد في هذه الحالة ان تعرف طريقها الى عيادات العلاج النفسي والعقلي، حتى تستعيد توازنها وتسترد عافيتها وتفلح بمساعدة الاطباء على استيعاب وفهم الحياة خارج الاضواء، لان الاضواء غالبا ما تكون حالة عابرة وطارئة لدى عدد كثير من الناس، ليسوا فقط اهل التلفاز، ولكن تحصل مع اصحاب وظائف عامة يصلون الى نائب في البرلمان او رئيس لمجلس قرية او مدينة تنشر الصحف صوره وتنقل نشرات الاخبار المحلية نشاطاته ويصبح وجها معروفا لدى الناس، ثم يفقد في انتخابات تالية المنصب او كرسي النائب او غيره، فيدخل هو ايضا حالة فتاة نشرة اخبار الطقس، ويتكفل العلاج النفسي بإعادته الى حالته التي كان عليها قبل اضواء الشهرة وذيوع الصيت.
نعم، هذا ما يحدث في امريكا، يعرفون المشكلة، ولا يخجلون من توصيفها وفهم ابعادها ودوافعها، ثم يقترحون العلاج الذي يكفل لصاحب المشكلة الشفاء، ما يحدث في بلادنا هو العكس، نخبئ المشكلة، وننكر وجودها، ونجد اناسا يعانون مثل هذا المرض، وتصيبهم الكآبة، بل تتسع دائرة الكآبة فتصيب بالاذى الاهل والاصدقاء، وقد تنعكس على اناس في العمل، من دون ان نرى صاحب المشكلة يواجه المشكلة التي يعاني منها، او يبحث عن علاج لها، ليس في هذه الظاهرة فقط، ولكن حالات وظواهر وعلل نفسية وعقلية، نرى عارا ان نسعى لعلاجها، ثم نستغرب بعد ذلك متسائلين لماذا تغيب العافية العقلية والعافية النفسية من مجتمعاتنا.
٭ روائي ليبي
أحمد ابراهيم الفقيه