حتى لو أن وزير البترول السعودي، علي النعيمي، يريد وأد نظريات المؤامرة قبل اجتماع حاسم لمنظمة «أوبك» الأسبوع المقبل، فربما يكون قد فات الأوان.
وتتضح بوادر ذلك من حقيقة أن تدخل النعيمي الأسبوع الماضي بعد شهرين من الصمت المطبق لم يفلح في الإجابة على التساؤل الذي تتوق أسواق الطاقة لمعرفة الرد عليه وهو: هل لم تعد السعودية، أكبر عضو في «أوبك»، ترغب في الدفاع عن أسعار النفط التي تراجعت بنحو الثلث إلى أدنى مستوى منذ 2010؟ وهل تسعى لتحقيق أهداف تجارية أو ربما جيوسياسية جديدة؟
وبالرغم من إصرار النعيمي على أن الرياض تريد استقرار السوق، فإن دبلوماسيون ومصادر في السوق قالوا في أحاديث خاصة مؤخرا أن المسؤولين السعوديين قالوا في أحاديث خاصة مؤخرا إن المملكة بوسعها أن تتحمل لبعض الوقت الأسعار الحالية وربما مستويات أقل.
ولطالما كان استقراء السياسات النفطية السعوية مسألة بالغة الصعوبة. لكن هذه الحقيقة تأخذ أبعادا جديدة قبل اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وظهر عدد من التفسيرات لسد فجوة المعلومات بشأن نوايا الرياض، ولم تصدر كلها عن أصحاب نظرية المؤامرة المعتادين في روسيا وايران.
وينقسم مراقبو أسواق النفط بشأن نتيجة الاجتماع في فيينا. وتتفاوت التكهنات بين خفض كبير في إنتاج «أوبك» لإنعاش الأسعار، مرورا بخفض صغير، وحتى الإبقاء على سقف الانتاج دون أي تغيير.
وحتى من يعرفون النعيمي منذ عشرات السنين تنتابهم الحيرة. وقال مندوب كبير يعمل في «أوبك» منذ فترة طويلة لرويترز «لأول مرة لا أعرف حقا ماذا يمكن أن يحدث في الاجتماع. الأمر غير واضح.»
وحينما تحدث النعيمي أخيرا يوم 12 نوفمبر قال ان سياسة السعودية القائمة على العمل من أجل استقرار الأسواق العالمية لم تتغير. وذكر النعيمي أن سياسة السعودية النفطية كانت محل الكثير من التخمينات الجامحة وغير الدقيقة في الأسابيع الأخيرة «إننا لا نسعى إلى تسييس النفط … في نظرنا إنها مسألة عرض وطلب إنها تجارية محضة.»
ووفقا لأربعة مصادر، دبلوماسية وفي سوق النفط طلبت عدم الكشف عن اسمائها، فقد أطلع مسؤولون سعوديون مراقبي «أوبك» على الأمر بشكل غير رسمي في لقاءات في نيويورك والرياض جرت في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.
وحضر ناصر الدوسري، وهو ممثل السعودية في «أوبك»، والأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد النعيمي، ومحمد الماضي محافظ السعودية لدى «أوبك»، واحدا على الأقل من هذه الاجتماعات لتوصيل رسالة مفادها أن المملكة باحتياطياتها النفطية الضخمة مستعدة لأن تتحمل انخفاض أسعار النفط إلى ما بين 70 و80 دولارا للبرميل لفترة تصل إلى عام.
وانخفض سعر مزيج برنت إلى 79 دولارا أمس الأول.
وبصرف النظر عن السعودية يحتاج معظم أعضاء «أوبك» لأسعار أعلى كثيرا لضبط ميزانياتهم. لكنهم وللمفارقة لا يستطيعون أو لا يرغبون في خفض الإنتاج، لمواجهة وفرة في المعروض نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وأوروبا في وقت يرتفع فيه الانتاج الأمريكي من الخام.
مواجهة النفط الصخري
إذا ما أبلغت السعودية شركائها في «أوبك» الذين يعانون بشدة من انهيار الأسعار أنها لن تخفض الإنتاج فستشتد حدة الجدل حول السبب وراء هذا التحول في السياسة.
أحد الاحتمالات أن الرياض تسعى للقضاء على النفط الصخري الأمريكي، الذي يعتقد الخبراء أنه يحتاج إلى أسعار أعلى بكثير من الإنتاج التقليدي كي يظل قادرا على المنافسة. وقال أحد المشاركين في الاجتماعات مع المسؤولين السعوديين «انهم يستهدفون النفط الصخري الأمريكي.»
إلا أن المصدر نفسه أضاف أن السعوديين ربما يعتبرون الأسعار المنخفضة فرصة سانحة لممارسة المزيد من الضغوط على إيران وروسيا بسبب دعمهما للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية.
ونفت عدة مصادر في قطاع النفط السعودي الشهر الماضي أن تكون العوامل الجيوسياسة تحرك السياسة النفطية حاليا، بيد أنها أخفقت في دحض نظريات عن تعاون بين الرياض وواشنطن لخفض الأسعار.
وقال نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا العضو في «أوبك» الشهر الماضي «ما هو السبب في أن الولايات المتحدة وبعض حلفائها يرغبون في خفض أسعار النفط؟ أنه إيذاء روسيا.»
أما مسعود مير كاظمي، وهو مشرع ووزير نفط إيراني سابق، فقال ن الرياض تساعد مجموعة العشرين. وأضاف «السعودية التي تميل للتحكم في «أوبك» تخدم مصالح مجموعة العشرين.»
«حرب أسعار عالمية؟»
وفي روسيا أصبحت فكرة المؤامرة السعودية الأمريكية ضد موسكو عملة رائجة، في وقت يرزح فيه الاقتصاد تحت وطأة تأثير هبوط أسعار النفط والعقوبات، التي فرضها الغرب على موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم ومساندتها للانفصاليين في شرق أوكرانيا.
واستشهد ليونيد فيدون، أحد كبار أصحاب شركة «لوك أويل» النفطية الروسية الخاصة، بزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرياض في شهر مارس/اذار، وقال الشهر الماضي «سافر أوباما للقاء العاهل السعودي بعد أحداث القرم مباشرة لدفعه لاتخاذ هذه الاجراءات لخفض أسعار النفط.»
وعادة ما تزعم روسيا وإيران أن هناك مؤمرات أمريكية تحاك ضد اقتصاديهما.
لكن نظريات المؤامرة لا تقتصر على هذين البلدين، بل تزداد انتشارا.
وكتب توماس فريدمان المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي متسائلا «هل أتخيل فقط أم أن هناك حرب أسعار نفط عالمية تجري بين الولايات المتحدة والسعودية في جانب ضد روسيا وإيران في الجانب الآخر؟»
وتفادى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الخوض في الأمر عقب زيارة للسعودية في سبتمبر/أيلول. وردا على سؤال عما إذا كانت المناقشات مع الرياض تطرقت لحاجة روسيا إلى أسعار فوق 100 دولار للبرميل لضبط ميزانيتها، ابتسم كيري وأجاب «السعوديون يدركون جيدا جدا جدا قدرتهم على التأثير على أسعار النفط العالمية.»