الحرب الدامية وانهيار البنية التحتية وهروب المستثمرين يعطلون عداد النمو الاقتصادي التائه وسط الجثث المتناثرة وركام
البنايات.
بيروت - أعادت الحرب التي تشهدها سوريا منذ نحو اربع سنوات عجلة الاقتصاد عقودا الى الوراء بعدما كان يصنف اقتصادها في السابق على انه واعد، بحسب ما يرى خبراء باتوا يشككون في قدرة هذا القطاع على التعافي.
وفي ظل العقوبات المفروضة عليها وتبعات النزاع المستمر منذ منتصف اذار/مارس 2011، اصبحت الحكومة السورية تواجه تراجعا في الايرادات وتعتمد بشكل اكبر على مساعدات حليفيها الرئيسيين ايران وروسيا.
ويقول مدير برنامج "الاجندة الوطنية لمستقبل سوريا" باسل كغدو "خسرنا عقدا من الزمن من حيث مؤشرات النمو البشري، والاقتصاد اليوم تقلص ليعود الى الحجم الذي كان عليه في الثمانينات".
ويضيف هذا المسؤول المكلف من الامم المتحدة ملف اعادة بناء المجتمع والاقتصاد السوريين "سوريا الامس لن تعود ابدا. الاقتصاد سيكون اصغر حجما، وعدد السكان سيكون اقل".
وتجاوزت معدلات الناتج المحلي الاجمالي في سوريا قبل بدء النزاع، معدلاته في دول عربية اخرى مثل الاردن وتونس. واحتلت سوريا موقعا جيدا على سلم مؤشرات النمو، وبينها تلك الخاصة بالصحة والتعليم.
غير ان العنف الدامي الذي شهدته البلاد بعد تحول الحركة الاحتجاجية ضد نظام الرئيس بشار الاسد الى نزاع مسلح، دفع المستثمرين الى المغادرة وقضى على البنية التحتية واصاب الاقتصاد في الصميم.
وتقول المسؤولة في قسم الشرق الاوسط واسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي ماي خميس ان "الناتج المحلي الاجمالي تقلص بنحو 40 في المئة"، مضيفة ان "انتاج النفط يكاد يتوقف ومعدلات التضخم بلغت نحو 120 في المئة في اب/اغسطس 2013، بينما كانت اربعة في المئة في 2011، قبل ان تبلغ في ايار/مايو الى 50 بالمئة".
وتشير ارقام الامم المتحدة الى ان صادرات وواردات البلاد تراجعت باكثر من 90 في المئة، فيما تجاوزت نسبة البطالة الخمسين في المئة.
والى جانب الدمار الذي تخلفه المعارك اليومية والشلل الذي تتسبب به في معظم القطاعات، فان العقوبات الغربية على سوريا تلعب دورا رئيسيا في جر الاقتصاد الى الوراء.
وبين اكثر العقوبات تاثيرا تلك التي تطال قطاعي النفط والمصارف، اذ تراجعت صادرات النفط حاليا الى نحو صفر في المئة بينما وضعت المصارف المملوكة من الحكومة على لوائح سوداء في دول عدة.
ويقول مدير موقع "سيريا ريبورت" الالكتروني الاقتصادي جهاد يازجي ان "العديد من الاعمال تابى الاستمرار في سوريا (...) بسبب العواقب المحتملة التي يمكن ان تترتب عليها وتؤثر على حضورها في الولايات المتحدة واماكن اخرى".
ويضيف "الحكومة لم تعد تملك مصادر دخل مهمة"، مشيرا في موازاة ذلك الى ان الاستثمار الحكومي في البنية التحتية توقف بشكل شبه كامل، بينما بقيت الرواتب على ما كانت عليه.
وفي مواجهة تراجع الايرادات، اتخذت الحكومة السورية مجموعة اجراءات تقوم على التقشف وبينها الغاء الدعم عن بعض المواد، فارتفعت اسعار الخبز بنسبة 70 في المئة، وتضاعفت اسعار السكر والارز، وكذلك فواتير الكهرباء والماء، بحسب يازجي.
ويقول خبير في الاقتصاد السوري رفض الكشف عن اسمه ان "الحكومة قامت باقتطاع الكثير من المصاريف. واليوم، لا تستورد هذه الحكومة سوى ما تعتبره ضرورة قصوى: الغذاء والسلاح".
ويشير الى ان النظام يعتمد ايضا على رجال اعمال اغنياء لدفع رواتب الميليشيات الموالية له ولاستيراد النفط وبيعه الى القطاعات الخاصة.
وفي خضم هذا التدهور الاقتصادي، اصبحت المساعدات التي يقدمها حليفا سوريا الرئيسيان، ايران وروسيا، بمثابة حبل الانقاذ الوحيد.
وقدمت طهران العام الماضي الى دمشق نحو 4.6 مليارات دولار لتسدد ثمن الواردات السورية من الطاقة والقمح، فيما قدمت موسكو هذا العام بحسب تقارير بين 300 و327 مليون دولار.
ويستبعد خبراء ان تتخلى كل من روسيا وايران عن الحكومة السورية التي انخفضت نفقاتها مع فرار اكثر من ثلاثة ملايين سوري من البلاد وتدفق المساعدات الدولية لمساعدة هؤلاء اللاجئين.
ويتوقع يازجي ان يشهد الاقتصاد السوري "تراجعا مستمرا وتدريجيا" على المدى القصير لكن الحكومة السورية ستبقى رغم ذلك قادرة على دفع الرواتب، بمساعدة حلفائها.
ويقدر كغدو من جهته ان سوريا ستحتاج الى عقد من اعادة الاعمار بعد انتهاء الحرب، علما ان نهاية النزاع لا تبدو قريبة.