و أخيرا لبى أبناء مقطع لحجار النداء ... نداء ظلت تطلقه أمنا الحنون ( المدرسة1) العريقة ... هذا المعلم العلمي الأصيل و القلعة الحصينة ، هنا حيث تخرج أجيال لم يخف تفوقهم على نظائرهم من شتى جنبات الوطن ... هنا حيث تمتزج المعارف ، أصيلها و عصريها ، هنا حيث نما الفكر ، و ترعرعت السياسة ، و حيث يأبى الإنسان إلا أن يكون ثائرا بطبعه ، صابرا بطبعه ...
و تمر السنون و تجد الأم المعطاة نفسها طريحة منسية ، تصرخ بصمت ، هل من مغيث؟ ... و يمر أحد الأبناء فيقف متأملا حائرا ، و يسترجع في ذاكرته صورا من تاريخ يصارع النسيان ، أطلال خربة و أكداس من القمامة ، ومن بين الأكوام تتراءى الومضات .. فيكتب بدمعه آهات تقطر ألما و يطلق ندبة تحكي واقعا مريرا بغصة أبلغ من الكلمات.. و يمر أحد المدرسين المتقاعدين ،و قد انثنى عوده ، و خبا بصره ، فيلقي نظرة تحسر ، تًعجز الوصف ... زخات ألم و تحسر تنتشي لها الأم ، لكنها سرعان ما تعود لموتها السريري ، لتغيب في كوابسها التي تحيط بالمكان ، إنه السوق و الرغبة الجامحة لتشييد المتاجر ، و إن في مكان الفصول ....نوازع و مخاوف و أنات و لسان حالها يقول ((رب إني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين))
نعم .. لقد سمعت حشرجة الصوت ، و صحا الضمير ..و وصل النداء لآذان ليست وقرا ، و طفق أصحاب البذل في مواطن البذل في البذل ،و تحرك أبناء المدينة ، في الوطن ، في الخليج ، في الغرب .. و تصدى آخرون يباشرون التنفيذ ، و لم يعد يسمع صوت المثبطين و نقلت الأطماع مع أكوام القمامة إلى مكب النفايات ، و تم الترميم و اعتدلت الأم في جلستها ، مبتسمة يعلوها الوقار ...
((و أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ))