لم أعوّد قلمي دخول المهاترات أو الدفاع عن الأشخاص خاصة إن كانوا مسؤولين لأن ذلك سيفسر على أنه تزلف ومحاباة. لكن وضعي كمواطن يقطن مدينة ازويرات، ويعاني معاناة سكانها، ويفرح لأفراحهم، ويعيش واقعهم بحلوّه ومره منذ فترة، جعلني مرغما على تقديم شهادة عن عمدتها الحالي الشيخ ولد بايّه بعد ما يروّج له البعض عنه وما يحاك له عبر المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي.
لقد رأيت مقطعا من فيديو يقدمه البعض على صفحاتهم على أنه دليل على الفساد الذي كان العمدة يمارسه إبان توليه إدارة الرقابة البحرية. والحقيقة أن هذا المقطع، الذي يذكر فيه العمدة أنه كان يتلقى نسبة معتبرة من الغرامات المفروضة على السفن التي تخرق القانون، كان بحد ذاته برهانا على شفافية الرجل وصدقه، ليس إلا. فالرجل سُؤل عن مصادر أمواله، فأجاب إجابة لم يتعود عليها البعض، وهي أن القانون كان يمنحه جزءا من المبالغ المتحصل عليها في الغرامات. كان بإمكانه أن لا يجيب كما تفعل الغالبية وكما جرى به عرف المسؤولين غير الشفافين، لكنه اختار طريق الصدق ودرب الشفافية فرد بوضوح وبحسن نية وبإخلاص لضميره وشعبه. وهنا كانت المشكلة لأن هذا المستوى من الوعي الذي يخول لك التصريح بمصادرك المادية غير معروف إلا في الديمقراطيات العتيقة والعتيدة أو لدى النخبويين الكبار. ومما يؤسف له أن البعض حاول من خلال استخدام هذا المقطع أن يحوّل مكرمة الصدق إلى عيب، ويحول فضيلة الشفافية إلى مدعاة للهجاء. وبهذا يرسخون ثقافة الكذب ويشجعون على الكتمان والمراوغة والتدليس. إنه لأمر محير حقا. لكنهم معذورون ما داموا يجهلون المعاني السامية للشفافية والصدق وما داموا لم يتعودوا عليهما عبر أجيال وأجيال من كذب المسؤولين والترويج لتقنيات التلاعب بالحقيقة. ولعلهم لم يحضروا مثلي وضع حجر سد أم لحبال في الناحية الشمالية لكدية الجل حين قال العمدة، في معرض حديث له ودي مع بعض الحضور، انه كان "يرعى الغنم هنا في صغره". عبارة استخشنها المتكبّرون واستحسنها المتواضعون ورسمت صورة غير معهودة لسياسي من طراز نادر: يتحدث عن ماضيه دون عُقد ويتكلم عن واقعه القديم دون رتوش ومحسنات وتلفيقات. لقد جذب ولد بايّه القلوب حينها بعبارته تلك، وفهم الحاضرون أنهم بصدد التعامل مع رجل من طينة أخرى، يكسّر كل المفاهيم السيئة عن العمد والمسؤولين المعروفين قبله. تلك هي الشفافية بعينها وذلك هو الصدق بأبهى صوره.. غير أن للشافية والصدق فاتورتهما الباهظة التي يبدو أن العمدة دفعها هذه الأيام.
مهما يكن، فإن من واجبنا التعاطي مع كل ما يتعلق بمدينتنا وتقديم ما يلزم من شهادات كي لا تـُـزور الحقائق فنتحمل جزءا من جريمة الصمت. لقد عرفنا العمدة الحالي مفاوضا من أكبر المفاوضين كفاءة ونبلا ووطنية. وتجلى ذلك بوضوح في اتفاقية الصيد مع الأوربيين التي كان ولد بايّه مهندسها بامتياز، رافضا أي بند لا يضمن مصالح موريتانيا ويحمي بيئتها البحرية وتنوعها السمكي ومدرودية مادية تليق بما يزخر به محيطها من سمك.. لقد عرفناه مسؤولا يبدي بالغ الاهتمام بمصالح شعبه، وتجلى ذلك بوضوح في حوانيت بلدية ازويرات التي كانت تستأجرها البلدية بمبلغ زهيد جدا دون أن يستفيد المواطن البسيط المستثمر ودون أن تستفيد البلدية، ففرض ولد باهيّه بعد دراسة للوضعية نظاما جديدا تستفيد من خلاله الأطراف الثلاثة بإنصاف وعدالة، فأصبحت البلدية تحصل على ثلث الإيجار والوسيط على الثلث الثاني فيما أعيد للمستأجر المستثمر الثلث الباقي ، وهكذا استفاد الجميع دون حيف.. عرفناه إنسانيا لا يبارى حين حضر بعد فاجعة التهمت خلالها النيران أسرة موريتانية من اصل صحراوي بكامل أفرادها باستثناء شخصين في الفيافي البعيدة توفي لاحقا أحدهما، وتكفل هو بنقل الناجي إلى انواكشوط ومن ثم برفع ومداواة الناجين في إسبانيا تنضاف إلى مؤازرة عشرات الأسر المنكوبة في المدينة وفي زمن قياسي حيث لم يمضي على انتخابه كعمدة للمدينة أكثر من سنة.. عرفناه عمدة لا يشرب ومواطنوه يئنون تحت وطأة العطش، وقد تجلى ذلك بوضوح في توسطه واستخدامه لوزنه وعلاقاته من أجل استيراد 35 عربة صهريجية لسقاية سكان المدينة عبر القطار لأول مرة في تاريخها من مركز بولنوار الإداري بعد تأميم ميفرما .
لست أصبو إلى تغيير وجهة نظر الناس عن مثل هذه المقالات التي أصبحت بالفعل تجارة رابحة. لكن الضمير المقاطعي وواجب إدلاء الدلو في الشأن المحلي، يجعل الصمت نوعا من التواطؤ، بل إنه الظلم بعينه عندما يتعلق الأمر بشخص يعطي كل ما يملك من أجل مصلحة مدينته وسكانها، فيوقِد بعض المشاغبين نارَ حملة شعواء ضده دون أدنى سبب وجيه غير أمراض القلوب المستشرية في البعض.