(1) عندما نعيد مشاهدة الصورة العائلية، لا يعود يهمنا معمارها الفني، القائم على الألوان والأشكال والضوء والمنظور والحركة والإيماءات وسوى ذلك، ستكون قراءتنا لها بوصفها «لغة بصرية» بالغة التنوع والتعقيد، تبحث عن الانفعالات الإنسانية، الكامنة في الوجه وحركات الجسد وإيماءات العيون، تمهيدا للقبض على معنى المعاني.
الصورة العائلية، التي توثّق أجمل وأغلى لحظات حياتنا، وتعكس دفء الترابط بين أفرادها، هل بمقدورها التأثير على العلاقات الإنسانية، بين الزوج وزوجته، الأبوين وابنائهما، الأخوة في ما بينهم…الخ؟
هل ستكون قادرة على إعادة إحياء الوشائج الحميمية، إن انطفأت، أو على الأقل ترميمها، ومنح أطرافها فرصة حقيقية لتقويم انحرافاتهم، انطلاقا من زمان الصورة، ومساعدتهم على تمثل قيمها وانتاجها من جديد؟
(2) الصورة، كعلامة بصرية، تختزن تعابير أيقونية، ومضامين إيحائية، ثاوية في داخلها، لا في منطوقها المرئي، المحسوس، لأن حقيقة الصورة – دائما العائلية – في قاعها، لا على سطحها، هناك حيث توجد مصفوفة من الفضائل الإنسانية. وبلوغ قيعان الصور، يستلزم رحلة غوص وتشغيل حواس للوقوف عند ما ورائياتها واكتشاف المغازي الحقيقية المخبأة في الصورة، كما أن الوصول إلى عمقها، حصري على «أهلها»، الذين يجدون أنفسهم وعالمهم فيها، فهم وحدهم القادرون على ملامسة جوهرها، ماهيتها وروحها المفعمة بالإيجابية والتعبير عن عالم نقي نادر.
(3) الصورة العائلية بريئة، غير عدوانية، لان لحظة تسجيلها تتطلب اجتماعا، وانسجاما ومشاعر متدفقة، فهي توثق احتفالات عائلية، حتى إن كانت ذات خصوصية مضافة، لأنها حدث يعطي لنفسه حقوقا من بين أكثر الحقوق استبدادية؛ وأهمها حق التسلل إلى حميمية الإنسان، وتمنحنا الشعور بإمكانية استيعاب العالم كله في أذهاننا.. كما تقول سوزان سونتاغ. الصورة تؤبد اللحظة، لا تجمدها، تمنحها خلودا. التجميد يومئ إلى الموت، والصورة حية لن تموت، إلا بموت دائرة متلقيها الخواص، وهي كالأطفال، تكره الوحدة، تكره الألبومات والأدراج، موتها في حبسها، عند ذاك تتحول إلى مجرد شاهد، بالضبط، كشاهد قبر.
(4) تسجيل الصورة للحظة، هو انقاذها من الضياع، النسيان، ابقاؤها حية، طازجة، طاقة مؤجلة، نلجأ اليها عندما تصاب النفس بالعتمة، وتشعر بالهزيمة. من هنا؛ تدعونا الصورة العائلية إلى تبني حضورها الإنساني، القادر على ردم الهوة بين زمنها الأول واللاحق الذي تدشنه لحظة إعادة التفرج عليها، وترميم خرائب الروح ودمارها، وإصلاح الشرخ الذي أصاب العلاقات، وإذكاء الحميمية من جديد. بهذا المعنى يغدو محمولها الدلالي الخاص في صيرورته الأولى، معطى دلاليا عابرا، تمرينا عميقا عن قدرتنا على مشاركتها مع الآخرين.
(5) الصورة العائلية، تؤسس لمستقبل أفضل، لأنها ليست رهينة منطقها الماضي، وأسيرة الذكريات، على العكس تماما، تدعونا إلى بناء غدنا المأمول، مستقبل شخوصها او المعنيين بتلقي سر الفكرة التي تحتضنها، تنبهنا إلى أهمية الاستمرار بتلك التجربة الفريدة لصوغ علاقة أمتن بين أطرافها.
*كاتب من العراق
علي الحسيني*