إن إعطاء الحرية، لأي إعلام لم يبلغ سن الرشد في الخبرة والمهنية، والكفاءة الإعلامية، لهو جدير أن يوقع ذلك الإعلام في كثير من الأخطاء القاتلة، ولهذا فإن كثيرا من القضايا العالقة ، والإشكاليات المربكة - بالنسبة للجمهورية الإسلامية الموريتانية - إنما كانت بمثابة أمور جانبية ، وتندرات شكلية ، إلى أن تناولها إعلامنا (الحر) بطريقته السلبية ، فضخمها حتى خرجت به عن السيطرة ، ويكفيك مثالا موضوع الوحدة الوطنية ، فعند ما تنظر إلى أي برنامج يعالجها أو تقرير يتناولها ، إذا به عاجز عن تبرير وجهة نظره ، أو تمرير رسالته - إن كانت له رسالة أصلا - بل يزيد الطين بلة والداء علة ، عندما يجعل من خمسة عنصريين ، نِدّاً مُساويا لمجتمع بكامله ، ليمزق كيانه ويهدم بنيانه ، جاعلا من البيظان والسودان قطبين متحاربين وأمتين منفصلتين ، ثم يختار للدفاع عن قضايا البيظان شخصا أبيض البشرة ، وعن السودان شخصا أسود البشرة ، وكأن البيظان والسودان ، أمما متباينة وقبائل متحاربة ، لا يربط بينها دين ، ولا تجمعها ثقافة ، والواقع يشهد بعكس ذلك ، فالبيظان والسودان ، جزء لا يتجزأ ، وعنصر واحد لا يتعدد ، ولو أن إعلامنا ( الذكي ) أدرك أن التباين في اللون سر من أسرار القدرة ، وعامل من عوامل الوحدة ، لجعل المتنافسين من لون واحد ، بل الأفضل - في الأدبيات الإعلامية عند استخدام اللون بطريقة إيجابية - أن يدافع الأسود عن الأبيض والأبيض عن الأسود ، لتزول بذلك أسباب الشحن العاطفي ، والتحيز الجاهلي .. وهذا ما حاولناه نحن طيلة انضمامنا لحركة إيرا ، فلم نجد من إعلامنا تجاوبا ، ولا من العنصريين تفَهُّماً ، ولا حتى من الدولة أي تثمين لكل ما قمنا به ، لأن الجميع قد تعودوا على العنصرية الإعلامية ، واستخدام اللون بطريقة سلبية ، الأمر الذي شكل في النفوس عقدة موهومة ، واعترافا ضمنيا بخطيئة مزعومة .
ومحاولة التخلص من هذه العقدة الموهومة ، والتهمة المزعومة ، هو الذي جعل بعض الإعلاميين ، يصفقون لأمور وهم بها غير مقتنعين .
والسبب في ذلك أن كثيرا من الإعلاميين في بلادنا ، يجهلون أن من شروط الإعلامي أن يفرض هيبته بقوة الشخصية ، ويمرر رسالته بالطرق الإيجابية ، ويبرر رأيه بصفة موضوعية ، ويوظف الصورة بطريقة مرضية ، ويواكب الأحداث بكل مهنية ، فضلا عن تناوله لجميع المواضيع بأساليب مشوقة ، ومن لم تتوفر فيه هذه الشروط وتنتفي عنه موانعها ، لا يصلح أن يكون إعلاميا البتة .
وأما من أصبح الإعلام في حقهم حراما ، فهم أولئك الذين ذهب بهم البحث عن الجديد ، حتى اصطنعوا كذبة العبيد ، فلما اختطفها منهم (..) حركة إيرا ، راحو يمجدون اللصوص ، فلما ألقي القبض على أولئك (..)، جعلوا أيضا يدافعون عنهم ، ويرددون كلامهم ، ناسين أن قضية العبودية ، إنما هي من صنيع غباء الإعلاميين أنفسهم ، ولا علاقة لها بغيرهم ، وأنهم لو تعقلوا في تناولهم لها ، لزال شبحها وانطوى ذكرها .
والأدهى من ذلك أن من بين هؤلاء الإعلاميين من أصابه الهلع حتى أصبح يمجد (..) خلف القضبان ، ويشتم أمة عظيمة في حجم أمة البيظان ، هل وصل الهلع بأصحاب هذه المواقع إلى الدرجة التي جعلتهم يخافون من بضعة أشخاص وراء القضبان ، ولا يخافون من أمة عظيمة في حجم مجتمع البيظان ، ذلك المجتمع العظيم الذي حرض عليه أبناؤه من أصحاب هذه المواقع حتى وضعوه في حضيض الهوان ، فتراهم يصادرون رأي كل من أراد أن يدافع عنه ، ويفسحون المجال أمام كل من أراد الهجوم عليه وبكل وقاحة ، يظنون أنهم بذلك فاعلون ومؤثرون ، وهم في الحقيقة منفعلون ومتأثرون ...
ذلك أن الناس عندما يصابون بالرعب والهلع قد يعولون على رحمة أعدائهم ، أكثر مما يعولون على مناصرة إخوانهم ، وهكذا يَذبَح الضعيف عشرة من الأقوياء ، لأنه يستعين بجبن بعضهم على قتل الشجاعة في البعض الآخر .
وصدق ابن خلدون عند ما قال ما معناه : إن من أمارات المغلوب أن يستهين بنفسه حتى يصبح مولعا بتقليد غالبه ، وهذا ما نراه نحن اليوم في وسائل إعلامنا التى جنت على مجتمعها ، بسبب البلاهة الإعلامية ، وقلة الخبرة والمهنية ...
وفي الختام هل تستطيعون يا وسائل إعلامنا (الحرة) نشر هذا المقال الذي ينتقدكم ، أم أنكم في الحقيقة لا تحبذون إلا نقد غيركم ، وفي كلتا الحالتين إعلموا أننا نحن وحدنا من يتابعكم .