تهطل علينا مواسم القراءة، تغرق في كل عام معارض الكتب العربية بزحام يسن أسئلة حادة عن حقيقة علاقتنا بها.
القراءة لم تكن يوما نزهة قصيرة من المتعة أو التسلية وحدها، لكنها كانت تحمل على كاهلها رفع منسوب الوعي بكينونتنا وانسانيتنا وأدوارنا في الحياة على مختلف مستوياتنا وأشكالها، لكن من يتجول في معرض الكتاب، يقرأ العناوين ويتصفح الكتب هل يحمل فعلا هذا الوعي، إن كانت الإجابة بنعم فلماذا لايتغير حال الإنسان العربي، لو أن هذه الكتب المتراصة بالآلاف في الأجنحة تصب عصارتها في أدمغة الشباب، لو أن هذه الرؤى والأفكار وجدت متلق حقيقي في مجتمعاتنا لما ارتفعت لدينا المشاجرات اليومية و لا معدلات الجريمة، ولغفت طويلا ثعابين الحس العنصري والتمايز الطبقي والقبلي وعرقيات تعزز الخلاف وتشعل الفرقة وتأز الصدور في نزاعات يومية تشتعل لتحرق في طريقها أشجار القيم وغابات التسامح وتطرد عصافير السلام منها.
لو أن هذا الزحام في معارض الكتب يكذب مؤشرات واحصاءات التنمية البشرية التي تؤكد أرقامها على تراجع القراءة في مجتمعاتنا العربية لكنا صدقنا هذا التهافت على معارض الكتب، لو أن الحروب والنكبات ومخيمات اللاجئين وأطفال التشرد مشاهد تتراجع لصالح الثقافة والقراءة لصدقنا أن أحوال الأنسان العربي تتغير للأفضل وأننا بفضل العلم والحكمة أكتشفنا بريق الدين وجوهر الإسلام، لو أن الرايات السوداء والخطابات الفصيحة التي تتبعها أمية قطع الرؤوس على مرأى من ميديا العالم توارت ليشرق وجه الدين ومضامينه الإنسانية المشرقة التي ترى في دم المسلم أشد حرمة من الكعبة لما واصل انضمام الشباب العربي إلى جماعات تغير وجه الإنسانية بإنحراف خطابها الديني وأشكاله في سيناريوهات بشعة ترفع رايات الدم وتوقظ الفتنة في كل إغماءة لها.
القراءة تعني الوعي والتحضر الإنساني وجماليات الأخلاق وهي ليست مجرد رواية رومانسية تغرق في أخطاء الصياغة والإملاء يقف مراهقين العمر والفكر في طوابير لشراءها بينما لاتترك معرفة نوعية تمهد لتغيير إيجابي، حيث يتحول الكتاب في يد الشباب كمن يشتري أجهزة ذكية لاستعمالها بشكل غبي.
* إعلامية كويتية
منى الشمري*