بعد ما ظل الشأن الديني ردحا طويلا من الزمن محتكرا لدى جماعة من الناس تفسره كيف ما شاءت وتستغله كيف ما أرادت أبت عاديات الزمن إلا أن تقلب الأمر رأسا على عقب ،ليتجسد ذلك في ظهور جماعات الدعوة التي ما لبثت أن وضعت قواعد متينة للدعوة لا تعرف إلى التمييز بين الناس سبيلا تنطلق من فلسفة تقوم على إشاعة العلم ونشر الوعي الديني بين طبقات العامة التي ظلت لفترة طويلة حبيسة التفسيرات الدينية "المغلوطة"التي تقوم في الغالب على الخرافات وتقديس ما لا ينبغي تقديسه استنادا إلى عادات وتقاليد موروثة عن مجتمع لم يعرف إلى المدنية سبيلا ،وتمشيا مع ما جاء به الشرع من الحث على نشر العلم وإشاعة الدعوة الذي جاءت النصوص الشرعية مصرحة بوجوبه:<<بلغو عني ولو آية >>..<كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر....>>،أخذت جماعة من رجال موريتانيا الذين صدقوا الله ما عهدوا على عاتقها مَهمة نشر الدين وتبسيطه بشكل يتلاءم وقدرات العامة عرفوا حسب التصنيف الشائع" بالدعاة" وتجاوزا لتحليل المفهوم ومقاربته نسعى إلى رصد تلك الثورة العلمية والفكرية في مجال التجديد الديني التي أحدثها الدعاة، فنحن على يقين أنه لو لا الأسلوب الدعوي الذي ظهر في موريتانيا مؤخرا ما كنا لنرى منارات مساجد شامخة يرتفع منها صوت الأذان في قرى نائية لا يعلو فيها إلا صوت الماشية وما كنا لنرى شبابا في مقتبل العمر من مختلف الشرائح هجروا اللهو والملذات منخرطين لا مأجورين لنشر الدين ابتغاء مرضات الله تعالى خاصة في مجتمع قبلي يؤمن بتراتبية اجتماعية استاتيكية قارة تترجم تمايزا اجتماعيا صارخا يصعب معه تبادل الأدوار لاسيما في مجال الدين.
قد لا يكون هذا الأمر غريبا في الوقت الحالي لكنه ليس مألوفا إذا ما استعدنا ذكريات الماضي التي لا زالت تحتفظ لنا بالثلاثي الموريتاني المعروف(عرب- زويا –طبقات مهمشة)،فلم يكن شغل"العَربي" لينحصر في القرطاس والقلم بل تخلى عنه مبكرا لصالح السيف والبندقية كما لم يكن من حق العبيد وما جاورهم التشبث بالعلم ولا بالدين معتقدين في خرافات يلقنها لهم أسيادهم مفادها أن العبد مختزل في سيده ولا شأن له بأمر العلم ولا بالدين بل عليه أن يظل تابعا لسيده لا هم له سوى الأعمال الشاقة من قبيل رعي الماشية والحراثة ...إلخ، وكأني بالسيد يقول لعبده" قدرك أن تظل مسحوقا لا مسؤولا"، وظل الحال على هذا فترة طويلة من الزمن في موريتانيا أي أن العلم الشرعي ظل نخبويا ولم يكن البتة مشاعا لأن الزوايا<<حماة الدين>> كما يصفهم البعض كانوا يعتقدون جازمين أن ثورة الطبقات المسحوقة –والتي إن تحققت ستعصف لا محالة بسيطرتهم وتمسكهم بزمام الأمور – كانت رهينة بوعيها بزيف ما كانوا يتلقونه ذات يوم من طرف الزوايا على أنه واجب ديني.
وإزاء هذا الوضع الظلامي الذي كان المجتمع الموريتاني يعيش في غياهبه استطاع الدعاة أن ينحتوا لأنفسهم طريقا مغايرا لما سلف مبنيا على قوانين متينة هادفين من ورائه إلى تعزيز الوعي الديني لدى الإنسان كمسلم بغض النظر عن عرقه وجعله يستشعر بالمسؤولية المنوطة به في الكون كإنسان والمتمثلة في عبادة الله بما شرع من خلال تغيير العقليات وتقويض العادات الزائفة التي علقت بالدين فكان سعيهم مشكورا,إذ استطاعوا في فترة وجيزة وعلى طريقتهم الخاصة أن يحققوا نقلة نوعية في مجال التنوير والتجديد الديني على مستوى المنهج والأسلوب والمضامين فيعود لهم الفضل أن أنزلوا الدين من برجه العاجي الذي كان الزوايا يضعونه فيه ليكون أمرا متاحا على مسافة متساوية من الجميع ثانيا أنهم جعلوا من الدين مهمة جماعية ليخلقوا بذلك فضاء جديدا تستطيع الأمة الاستفادة من إمكانيات شبابها فكان ذلك إيذانا بتحقيق تنوير ديني على المستوى الفردي والجماعي لموريتانيا وإن كان ذلك قد شكل ضربة قوية للمنظومة الثقافية التقليدية التي تنطلق من نخبوية العلم والدين والتي كان البعض يصبوا لاستمرارها /ما جعل البعض يشن حملة شعواء ضد الدعوة والدعاة إلى حد جعله يتصورهم رجالا فروا إلى الدين بعدما فشلوا في الدنيا ،لكن هذا الادعاء بالنسبة لنا لا يعدوا كونه وهما باطلا أريد من ورائه باطل كيف لا والله تبارك وتعالى يقول <<وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلَى الله وَعَمِلَ صَالِحا وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِين>>
بقلم : محم ولد الطيب