مع أنني لستُ ممّن يحلو لهم أن يخوضوا في كل صغيرة وكبيرة، فإن ما يحدث في هذه الأيام، في بعض وسائل الإعلام، من تراشق بألفاظ-نابية في بعض الأحيان- قد فرض علي الإدلاء بوجهة نظري حول مواقف بعض السياسيين الموريتانيين من الاحتلال الفرنسي لبلادنا، ومن وجهات نظرهم ومواقفهم من مداهنته أو مقاومته. ودون الدخول في التفاصيل، فإنني أرى أنّ: من الإنصاف(والموضوعية) أن لا نحاسب الماضي أو نحكم عليه بمعطيات الحاضر ومقاييسه، بل نحكم على الماضي بمقاييس الماضي، وعلى الحاضر بمقاييس الحاضر. وقديمًا قِيلَ:"الإنصاف من شأن الأشراف". ومن الإنصاف كذلك، أن نلتمس العذر لرجال تلك الفترة، فنقول: إن هدفهم كان واحدا(وهو مصلحة الوطن والمواطن)، والآراء حول وسائل الوصول إليه كانت مختلفة. وهذه سنة الحياة. ومن جهة أخرى، فإنّ الميت إذا صار في قبره وجب عنه الإمساك. اللهم ما كان من تقريظه بذكر مناقبه والترحم عليه. فهذه هي أخلاقنا وتعاليم ديننا الحنيف. وحذارِ من أن تفسد "السياسة" أخلاقنا. وقد وضعتُ كلمة(السياسة) بين مزدوجتين لأن السياسة في أيامنا هذه أفرغت-للأسف الشديد- من محتواها. وعلى كل حال، فمن مصلحتنا في هذا الوقت بالذات الكف عن هذا النوع من "تَرَف القول"، محاولين الاستفادة من تجارب الماضي، واستغلال معطيات الحاضر، وتوظيف ذلك كله في استشراف المستقبل.