استقبلنا هذا الأسبوع خبراً ساراً لطالما انتظره سكان منطقة اركيز، ألا وهو الاتفاقية التي وقعتها الحكومة الموريتانية مع الصندوق السعودي للتنمية لتمويل استصلاح الحوض الشرقي من بحيرة اركيز.
التمويل السخي الذي منحته الأيادي البيضاء للملكة العربية السعودية وحكومة خادم الحرمين الشرفين، بلغ 34 مليون دولار أمريكي وهو ما يزيد على 10 مليارات من الأوقية؛ ستخصص لاستصلاح 2500 هكتار وإعادة تأهيل 1000 أخرى، أي في الإجمال 3500 هكتاراً.
أمام هذا الخبر السار الذي بعث الحياة في منطقتنا بعد عقود عجاف من التهميش والنسيان، نجد أنفسنا - نحن وجهاء المنطقة - مجبرين على أن نشكر الرجل الذي وقف أمامنا ذات يوم وتعهد بالبحث عن تمويل لاستصلاح أراضينا الزراعية، ولم يمض وقت طويل حتى أوفى بعهده؛ إنه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز؛ ونحن بدورنا نشكره لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجلّ.
لا يخفى على أحد الأهمية الكبيرة لهذا المشروع، وما بذلتموه سيدي الرئيس من جهد للوفاء بتعهدات سبق وأن أعلنتموها خلال زيارتكم لمقاطعة اركيز، زيارة حظيتم خلالها بترحيب الصغير قبل الكبير، والنساء قبل الرجال، والمعارض قبل الموالي، لما لها من دلالة على إدراككم للأهمية الاستراتيجية للمقاطعة وما تزخر به من خيرات ظلت طيلة عقود سابقة منسية ومهملة من طرف الأنظمة المتعاقبة، حتى جاء عهدكم فأزاح ستار النسيان وغشاوة التهميش، ومنحنا فرصة لنحلم بغد أفضل للأرض التي سقاها الآباء بعرق جبينهم فمنحتهم الحياة.
ولكن هذا الإنجاز الكبير الذي حققتموه سيادة الرئيس بتمويل استصلاح بحيرة اركيز، لن ينسينا مشاريع أخرى كانت بحجم أحلام السكان وثقتهم في نظامكم المظفر، فلن نبتعد كثيراً لنحكي عن الطريق المعبد الذي كان يمثل مطلباً جوهرياً لدى ساكنة هذا الحيز الجغرافي، ومنذ أشهر بدأت الجرافات والآليات في شق الطريق، ومعه شقت ثقباً من نور في سياج الظلام.
إنه الطريق الرابط بين اركيز والمذرذرة والذي يمتد على مسافة 55 كيلومتراً، تتولى العمل فيه مؤسسة متخصصة تابعة للهندسة العسكرية، وتحت إشراف مباشر من إدارة البنية التحتية بوزارة التجهيز والنقل، ومراقبة الوكالة الوطنية للدراسات، وفق خطة محكمة تمزج بين الدقة والصرامة والجودة، ميّزت إنجازاتكم الممتدة في جميع ولايات الوطن.
كل ذلك يأتي في حيز زمني لا يتجاوز 24 شهراً، وهي فترة قياسية بالمقارنة مع مشاريع أخرى؛ غير أن ذلك لا يجعلنا ننسى أن نذكر أن الدولة الموريتانية هي الممول الوحيد للمشروع بغلاف مالي قدره 5 مليارات ونصف المليار أوقية.
على مستوى التعليم نجد أن عدداً كبيراً من المؤسسات التعليمية تم تشييده في السنوات الأخيرة وفق معايير وضوابط عالية الجودة، في مختلف بلديات المقاطعة ولعل أشهرها إعدادية 12 التي حلت مشكلة أرقت سكان المنطقة، فيما لا تزال مشاريع أخرى قيد الإنجاز.
منذ سنوات كان سكان اركيز يعانون وضعاً صحياً صعباً بسبب ضعف البنية التحتية وهشاشتها، وارتباط السكان بمستشفيات العاصمة نواكشوط أو مدينة روصو على أقل تقدير، إلى أن بدأت السياسة الصحية التي اعتمدها نظام رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في مأموريته الأولى، وهي سياسة حاولت تقريب الخدمات لأكبر قدر ممكن من المواطن فتم تشييد مستشفى بمواصفات عالية في مقاطعة اركيز.
على مستوى البنية التحتية دائماً وتحسين ظروف العيش اليومية للمواطن البسيط، لا يمكن أن ننسى العمل الذي تقوم به وكالة النفاذ الشامل التي فعلها رئيس الجمهورية في مأموريته الأولى وواصل تفعيلها في بداية مأموريته الثانية، من خلال مشاريع طموحة لتوفير الطاقة الكهربائية في أغلب التجمعات القروية في مختلف بلديات المقاطعة، وهي خطة تم تطبيقها في ولايات أخرى متعددة.
كل ما سبق هو مجرد أمثلة قليلة مما قام به هذا النظام في مقاطعة اركيز، وفضلت ذكرها حتى لا يعتقد بعضهم أن الجهد الذي بذله النظام في تمويل استصلاح الحوض الشرقي من بحيرة اركيز، هو أول حسنة له تجاه مقاطعتنا، ونتمنى أن لا تكون الأخيرة.
كما نتمنى أن لا ينقطع ذلك المد الخيري القادم من الأراضي المقدسة على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحكومته المظفرة، إنها أيادي بيضاء ما فتئت تعطي بسخاء لأبناء هذه الأرض التي عرفت عندهم بأرض شنقيط.. أرض المنارة والرباط؛ وإن أردنا أن نحصي المشاريع التي مولتها المملكة العربية السعودية في موريتانيا فقد نحتاج لوقت أطول وحيز أوسع من مجرد مقال أو بيان صحفي.
ولعل خير دليل على ذلك ما أورده نائب رئيس الصندوق السعودي للتنمية المهندس يوسف بن إبراهيم البسّام، خلال زيارته الأخيرة لنواكشوط، من أن الدعم السعودي لموريتانيا قد تجاوز سقف المليار دولار أمريكي، وهو ما يزيد على 300 مليار أوقية، وهي أشياء لا تذهب إلا من أخ إلى أخيه، ولا تكافؤ إلا بالشكر والدعاء الصالح.
بقلم: الدكتور محمد الأمين ولد محمد عبد الله ولد المختار الملقب "العلوي"
--