لقد حظيت بلادنا خلال السنوات الأخيرة بموارد طائلة. ليس ذلك، طبعا، بفعل هذا النظام ولا بفضل تدبيره وتسييره، بل بفعل ظرفية دولية تضاعف فيها سعر الحديد اكثر من عشر مرات، وبلغ فيها سعر الذهب مستويات استثنائية، وشهدت فيها اسعار السمك طفرة غير مسبوقة، مما جعل قيمة صادرات البلاد ترتفع من 500 مليون دولار الى 3 مليار دولار. وإضافة الى هذه الموارد الهائلة، فقد أثقل هذا النظام كاهل البلاد بالديون حيث ارتفعت المديونية الخارجية من 60% الى 80% من الناتج الداخلي الخام في عهده. وبما أن نظامنا لا يشبع، ها هو يزيد هذه السنة الضريبة على القيمة المضافة من 14% الى 16%، وهي الضريبة التي يدفعها كل مواطن على كل صغيرة أو كبيرة يستهلكها بعد أن أثقل كاهله الارتفاع الجنوني للأسعار خلال السنوات الأخيرة، وذلك ليسترد النظام أكثر مما سينفقه في الزيادة الأخيرة في رواتب الموظفين ووكلاء الدولة.
ولنا أن نتساءل، في هذا اليوم الذي تكرسه المجموعة الدولية لفضح ومكافحة الرشوة والفساد، لنا أن نتساءل عن مصير خيرات بلدنا، والى متى سنظل مكفوفي الألسن ومكتوفي الأيدي أمام نهبها وتبذيرها.
وفعلا، اذا كانت هناك ظاهرة أصبحت اليوم محل اجماع من لدن الرأي العام الوطني فهي تفشي النهب والفساد بجميع تجلياته في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها. فقد تحول البلد إلى مؤسسة خصوصية مملوكة لدائرة ضيقة متشابكة المصالح قطب رحاها رأس النظام الذي تدور في فلكه زمرة من المقربين المنتفعين.
إن تذكيرا سريعا بما استطاع الإعلام والقوى السياسية والمدنية الكشف عنه من فساد خلال السنوات الأخيرة – وما خفى أعظم –يعطي صورة عن مدى التردي وعمق الأزمة.
• فلم يعد افراد جماعة النهب والتسلط التي ترتهن البلاديخجلون من التبجح بجرائمهم، على مرأى ومسمع من شعب انهكه الفقر والبؤس، وشباب أصبح بلا عمل ولا أمل. فها هو أحدهم يفتخر بأنه يكسب المليارات من ثروات هذا الشعب، وذلك في مهرجان شعبي مسجل على شريط مسجل بالصوت والصورة ومتداول في كل المواقع. وبدل أن تتم مساءلته ها هو يحظى بمؤازرة رأس النظام ويمدحه الوزير المكلف بالعدل تحت قبة البرلمان، في الوقت الذي يقع فيه المئات من ارباب الأسر الضعفاء ضحية لجشعه ويتركون عرضة للبرد والجوع والأفاعي على مشارف العاصمة.
• وتتداول وسائل الإعلام يوميا أخبارا عن تكشف شبكات اختلاس بالمليارات في هذا المرفق العمومي أو ذاك هذه المؤسسة أو تلك. وكان لافتا أن متهمين رئيسين في هذه الشبكات تمكنوا من الافلات، أو دعونا نقول تم إبعادهم عن الرأي العام حتى لايقود التحقيق معهم، رغم عدم جديته، إلى خيوط توصل إلى مركز الدائرة وقمرة قيادتها
• عشرات صفقات التراضي والمحاباة بمئات المليارات في غياب كامل للضوابط القانونية ومعايير الشفافية. ولعل صفقة مطار نواكشوط أكبر شاهد على ذلك.
• تبذير الأموال في شركات لم يكتب لأي منها النجاح ليستفيد منها الأقرباء والمقربون (شركة تموين البواخر في عرض المحيط، شركة السكر، مصنع الأعمدة الكهربائية، شركة النقل العمومي، شركة استصلاح الأراضي الزراعية، الخ...)
• انشاء المؤسسات العمومية بالعشرات لا لشيْ سوى منح وظائفوامتيازات للمتزلفين.
• انشاء مدن للأشباح (الشامي) بعشرات المليارات بينما تفتقر كبريات المدن، وخاصة العاصمة، لأبسط مقومات المدنية.
• تأخر كل المشاريع عن مواعيد انجازها بسبب المحاباة والتسيب وغياب المواصفات المطلوبة في الجهات التي يوكل اليها انجازها.
• افراغ مؤسسات الرقابة من محتواها وتحويلها الى ادوات لتصفية الحسابات وحماية المقربين وتدجين العدالة للتحكم في سير التحقيق واصدار الأحكام.
• ومن أغرب المفارقات أن نظاما يتشدق بأنه يجعل من محاربة الفساد أولى الأولويات لا يوجد في سجونه، بعد ست سنوات من حكمه، محكوم عليه بسبب الفساد، كما لا يوجد أمام محاكمه ملف واحد بتهمة الفساد.
أمام هذه الوضعية، وفي هذا اليوم العالمي لمحاربة الرشوة والفساد، فان المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة:
- يهيب بكافة الشعب الموريتاني، وبقواه الحية من شباب ونساء وأحزاب سياسية ومنظمات مدنية وصحافة مستقلة ومدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، للوقوف، كل من موقعه، ضد الفساد والنهب والرشوة التي تهدر خيراتنا وتنخر جسم اقتصادنا وتفقر مجتمعنا وتسوق بلادنا نحو الهاوية.
- يطالب بتحقيق جدي وشامل في جميع المخالفات والجرائم الاقتصادية وعمليات النهب والسرقة التي ارتكبها ويرتكبها النظام الحالي.
- يهنئ الصحافة الوطنية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على دورهم الرائد في كشف أوجه ومظاهر الفساد في البلاد والمتورطين فيه.
- يستغرب تصريح ممثل الشفافية الدولية أثناء زيارته الأخيرة لبلادنا والذي امتدح فيه جهود النظام في مجال الشفافية في الوقت الذي يصنف فيه تقرير منظمته موريتانيا في المرتبة 124 من أصل 177 دولة.
نواطشوط، 9 دجمبر 2014
المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة