»لا يجوز استعباد أي أحد أو استرقاقه. إن العبودية والمتاجرة بالعبيد محرمة بجميع أشكالها.« (المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
نشاهد اليوم بعض المجموعات المتطرفة التي تؤجج نار الفتنة وتهدد السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية في مجتمعنا، بدعوى أنها تحارب العبودية، في الوقت الذي أصبحت فيه محاربة العبودية قضية المجموعة الوطنية كلها و المجموعة الدولية أيضا.
لقد وجدت العبودية منذ زمن بعيد داخل جميع مكونات المجتمع الموريتاني، إلا أن عدد الأشخاص الذين يعانون من مخلفاتها في الوقت الراهن في موريتانيا تناقص بمفعول القوانين والبرامج المتتالية التي أنجزتها الدولة الموريتانية.
في تقريرها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 24 أغسطس 2010، هنأت السيدة Gulnara Shahinian المقررة الخاصة حول أشكال العبودية المعاصرة، بما في ذلك أسبابها والأمور المترتبة عنها، نعم هنـأت نفسها وثمنت كثيرا الإرادة السياسية التي أظهرتها الحكومة الموريتانية والبرامج التي وضعت، بهدف القضاء على مخلفات العبودية. كما رحبت باستحداث الدولة الموريتانية محكمة خاصة تعني بالبت في القضايا المتعلقة بالعبودية وإنشائها وكالة وطنية من أجل محاربة مخلفات الرق، وكالة التضامن. واستعرضت المبعوثة الأممية أيضا الخطوط العريضة للسياسة الموريتانية في مجال محاربة العبودية والصعوبات التي تواجهها، وكذا إطارها المؤسسي:
»لقد ألغيت العبودية في موريتانيا منذ اعتماد الدستور الأول. وفي سنة 2002 أصبحت جناية يجرم صاحبها. في القرن الماضي ألغيت العبودية في موريتانيا ثلاث مرات بمقتضي التشريع، فتم إلغاؤها في المرة الأولي عام 1905 بواسطة مرسوم من المستعمر يقضي بتطبيق القانون الفرنسي المصادق عليه في سنة 1848 على موريتانيا، وهو المرسوم الذي يلغي العبودية في سائر المستعمرات. هذا الإلغاء تم تأكيده إبان الاستقلال بموجب دستور 1961 الذي تضمن مبادئ الإعلان الدولي لحقوق الإنسان. وتم التأكيد على إلغاء العبودية سنة 1980 وتجسد ذلك بالمرسوم رقم 081/234 بتاريخ 9 نوفمبر 1981. شكل هذا المرسوم »إجراء بالغ الأهمية، فمادته الأولى تلغى العبودية نهائيا على جميع التراب الوطني، ومادته الثانية تعلن أنه طبقا للقانون الإسلامي سيتم التعويض لصالح الأشخاص المستحقين، أي ملاك العبيد. كما طولب من الأئمة والفقهاء المشاركة في محاربة العبودية في موريتانيا. وهكذا جاء مرسوم 1981 القاضي بإلغاء العبودية بعد مشاورات واسعة في الأوساط الإسلامية وكذلك بإعلان من الحكومة يؤكد أن مبدأ المساواة بين المسلمين لا يدع مجالا لتبرير استمرار العبودية«.
»إن إقرار القانون القاضي بمعاقبة مرتكبي جريمة العبودية، وقمع الممارسات الاسترقاقية بتاريخ 3 سبتمبر 2007 يمثل مرحلة أساسية في مقاربة هذه المسألة في موريتانيا«، تقول السيدة Gulnara Shahinian التي أضافت:
»وصف الوزير الأول آنذاك هذا القانون بأنه "منعطف حاسم يهدف إلى القضاء على الرواسب الموروثة عن الماضي والى إشاعة ثقافة المساواة والتسامح والمواطنة وإلى إرساء ظروف تساعد على تقدم جميع الموريتانيين وانعتاقهم."«.
ينص هذا القانون في مادته الثانية على أن »جريمة الاستعباد المرتكبة من قبل شخص يسترق شخصا آخر أو يحرض على مصادرة حريته أو كرامته أو كرامة شخص يعيله أو يقع تحت وصايته، وذلك بهدف استعباده، هذه الجريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات وغرامة تتراوح ما بين 2000 إلى 4000 دولار أمريكي. و يقنن النص أيضا المخالفات المرتبطة بالعبودية ويعاقب عليها بأحكام تتراوح بين ستة أشهر إلى سنتين من الحبس و بغرامة تتراوح ما بين 200 إلى 840 دولار. هذه المخالفات تشمل الاستيلاء على الممتلكات وعلى المنتوجات وعلى الفوائد المكتسبة من طرف العبد، وأيضا على الخسارة المترتبة على المساس بالسلامة الجسدية للعبد أو رفض استفادة أحد أبنائه من التعليم. «
يفتح هذا القانون المجال أيضا لتقديم مساعدة وتعويض مالي لصالح الأشخاص المنعتقين من العبودية و من الممارسات الاسترقاقية، كما يجرم ممارسات مثل الاستغلال الجنسي للإماء من طرف أسيادهن. ويصنف أيضا تبرير العبودية على أنه جريمة. وفوق ذلك فإنه لو أبلغت السلطات الإدارية كالولاة والحكام والزعماء المحليين وعناصر الشرطة بممارسة تماثل العبودية ولم تتخذ بشأنها الإجراء اللازم فهي في هذه الحالة تعرض نفسها للحبس أو الغرامة. « (المادة 12)
»ثم إن وزير الداخلية آنذاك أعطى تعليماته للسلطات من أجل تطبيق القانون، كما أمر وزير العدل الوكلاء بالتحري بشأن كل إدعاء يتعلق بالعبودية وخولت جمعيات حقوق الإنسان التبليغ عن أي مخالفة لهذا القانون، كما فتح المجال أمامها لمساعدة الضحايا. وأعفي هؤلاء من تكاليف الإجراءات« (المادة 15)
»وأيضا فإن القانون 0251 الذي اعتمد سنة 2003 والقاضي بمعاقبة الاتجار بالأشخاص يجرم تجنيد ونقل وتحويل الأشخاص بالقوة وتحت التهديد لأغراض الاستغلال الجنسي والاقتصادي.«
أما على الصعيد المؤسسي فإن »الحكومة الموريتانية استحدثت مفوضية مكلفة بحقوق الإنسان و بالعمل الخيري وبالعلاقات مع المجتمع المدني يديرها مفوض. وفي مارس 2009 أطلقت المفوضية برنامجا يسعى إلى القضاء على آثار العبودية ويهدف إلى التعرف على الشرائح التي عانت منها، سعيا إلى توفير وسائل العيش لهم وكذا الخدمات الأساسية من ماء شروب وولوج إلى الصحة والتعليم. هذا البرنامج شمل عددا من المجموعات تتوزع على 397 قرية. كل مجموعة تعد برنامجا خماسيا بالتعاون مع السلطات العمومية. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة خصصت لهذا البرنامج مبلغا يقدر ب 4 ملايين دولار. بالإضافة إلى ذلك، وفي سنة 2009، تعاقدت المفوضية مع الأمم المتحدة لإطلاق برنامج جديد يسعى إلى استباق ما قد ينشب من نزاعات تخل بالسلم الاجتماعي. والهدف من هذا البرنامج هو معالجة الأسباب العميقة للاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بمخلفات العبودية وتشجيع الوئام الاجتماعي. «
»أما اللجنة الوطنية المكلفة بحقوق الإنسان والتي أنشئت سنة 2007، فقد لعبت دورا مهما في المطالبة بالقضاء على مخلفات العبودية، وتشجيع إعادة الاندماج الاقتصادي والاجتماعي لصالح الذين يعانون من مخلفات الرق و العمل على ضمان حقوقهم المدنية. وهي مخولة اتخاذ إجراءات قانونية حال توصلها بادعاءات بشأن خروقات لحقوق الإنسان، أو بشأن العبودية. وفي هذه الحالة يمكنها أن تقوم بتحريات مستقلة. في سنة 2007 وبالمشاركة مع منظمات المجتمع المدني والحكومة قامت اللجنة الوطنية المكلفة بحقوق الإنسان بحملة وطنية للتحسيس، هدفها التعريف بقانون 2007 الذي يجرم العبودية. «
نحن اليوم في حاجة ماسة لحملة كهذه، نشرح من خلالها الخطة الوطنية الجديدة لمحاربة العبودية التي أقرتها الحكومة هذه السنة. ذلك أنه في 6 مارس 2014 أقرت الحكومة الموريتانية خارطة طريق تهدف إلى القضاء على مخلفات العبودية في جميع أنحاء البلاد. وقد رحبت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول العبودية السيدة. Gulnara Shahinian, بهذا الحدث بالعبارات التالية: »أرى في هذا التاريخ منعطفا حاسما في مجال محاربة العبودية في موريتانيا. إن اعتماد خارطة الطريق هذه بهدف تطبيق توصياتي التي قدمتها سنة 2010 ليس بالأمر الرمزي فحسب، وإنما يمثل مرحلة جديدة في إطار الجهود المبذولة من أجل القضاء على العبودية ومخلفاتها، وذلك بصفة نهائية. إنني على يقين من أن الحكومة، بالتعاون الوثيق مع المجتمع المدني، ستبذل الجهود الضرورية من أجل التطبيق الفعلي والكامل لخارطة الطريق هذه، لكي تنجم التزاماتها عن نتائج ملموسة على صعيد الواقع«.
وكانت المقررة الخاصة قد نظمت لقاءات مع قادة الرأي الديني الذين عبروا عن موقفهم الواضح ضد العبودية واستنكروا أن يربط بأي شكل من الأشكال بين العبودية والإسلام كما أنهم عملوا مع مجموعاتهم على محاربة العبودية و الممارسات المشابهة لها، إلا أنهم اعترفوا بضرورة خلق وعي حول القضية، كما أكدوا الحاجة إلى تغيير مواقف الناس وعقلياتهم حول العبودية.
لقد عبرت الدولة الموريتانية عن إرادتها السياسية باعتمادها استراتيجية جديدة في مجال محاربة العبودية، خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة وجميع مكونات المجتمع المدني و شركاء التنمية. وتتكون خارطة الطريق هذه من 29 توصية تمس الميادين القانونية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل توسيع مجال محاربة العبودية و التوعية حول القضاء على جميع مخلفاتها. وفي هذا الظرف الجديد يتعين على النخب تعبئة الرأي العام الوطني حول هذا البرنامج وتحاشي كل ما من شأنه أن يعرقل إنجازه.