في تصريحات نادرة: الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله يتحدث..(مقابلة)

ثلاثاء, 2014-12-16 12:47

سيدي ولد الشيخ عبد الله وجه وطني بارز حصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الاقتصاد سنة 1968 بباريس، شغل عدة وظائف: مديرا للتخطيط بعد تخرجه مباشرة، وزيرا مكلفا بوزارة التنمية الصناعية ووزارة التخطيط والتنمية الصناعية، ووزير دولة للاقتصاد الوطني مشرف على وزارة التخطيط والمعادن ووزارة التنمية الريفية؛...

 

ومستشار اقتصادي في الصندوق الكويتي للتنمية لمدة ثلاث سنوات، ومن سنة 1985 حتى 1987 أصبح وزيرا للمياه والطاقة، ثم وزيرا للصيد والاقتصاد البحري بعد ذلك؛ من 89 حتى2003 شغل منصب مستشار لوزير التخطيط النيجيري في إطار مشروع بالتعاون مع الصندوق الكويتي، شارك في عدة ملتقيات دولية.. ظل بعيدا عن السياسة والكلام فيها.. بيد أنه -في هذه المقابلة- خرج عن صمته فتقبل -مشكورا- الرد على أسئلتنا التي تضمنت رؤيته للساحة السياسية حاليا؛ بالإضافة إلى وجهة نظره في الاقتصاد الوطني، مع تسليط الضوء على ما يسمى بقضية احميده وكيف كان الحكم عليه بالإقامة الجبرية مع جيغ بوب فاربا ومحمد سالم ولد لكحل.. قضايا كثيرة تطالعونها في هذه المقابلة.. “السفير”: شاركتم في الأيام التشاورية، وكنتم رئيس ورشة المسلسل الانتخابي، فما هي ملاحظاتكم على سير أعمالها؟ سيدي ولد الشيخ عبد الله: شاركت في الأيام التشاورية.. وكان لي الشرف في رئاسة ورشة المسلسل الانتخابي؛ وقد اندهشت من استعداد الموريتانيين للحديث مع إخوانهم وقبولهم لآراء تختلف عن آرائهم. لقد أبديتْ الآراء بصورة حرة ومسؤولة؛ وأحسب أنني -مع الإخوان المشرفين الذين كانوا معي- حرصنا على أن لا يقيد أي تدخل من حيث الموضوع أو الزمن؛ حتى أن بعض المشاركين في لجان أخرى أتونا نظرا لجو الحرية الذي منحنا المشاركين. وقد ذكرت -في الاجتماع النهائي للجان- أن مفاجأتي الحقيقية بدأت في المنتدى الذي نظمه التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة قبل الثالث من أغسطس، حيث لم أكن أتوقع أن تكون للموريتانيين هذه القدرة وهذا الاستعداد لمناقشة مشكلاتهم.. كان إعجابي أكثر بالشباب الذين لم أكن اعرفهم؛ وخاصة في العشرين سنة الأخيرة، فقد كنا -نحن الكبار- ننعتهم دائما باللامبالاة؛ إلا أنني وجدت لدى الكثير منهم أفكارا واضحة.. مما زاد الأمل عندي في المستقبل الزاهر للبلد الملاحظة الثانية ما قام به الوزراء الذين حضروا الاجتماعات، فلم يكن بأيديهم أفكار جاهزة يفرضونها على الحضور؛ بل كانوا يحملون مجرد آراء اتفق الحضور على بعضها ورفض البعض الآخر.. وهو ما رأيت فيه علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تنمى “السفير”: لم يظهر اسمكم ضمن الشخصيات المرشحة لرئاسة اللجنة -رغم أن الرأي العام رشحكم لذلك- فلماذا؟ سيدي: أنا مثلكم؛ سمعت من بعض الأوساط -ومن ما يسمى بالرأي العام- أن البعض كان يتوقع أن أكون في اللجنة الوطنية للانتخابات.. وهو ما افتخر به؛ غير أن ظروفي الخاصة -آنذاك- منعتني من المشاركة (رفض الإفصاح عن تلك الظروف) “السفير”: يقال إنكم شاركتم في حفل سياسي لرئيس التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة، فهل يعني ذلك بداية تنسيق سياسي بينكم وبين الحزب المذكور؟ سيدي: أحب أن أصحح أنني لم أشارك في حفل سياسي في الفترة الأخيرة لرئيس التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة؛ إلا أنني أرغب أن ألفت انتباهكم بأن لدي أصدقاء في السياسة يوجهون لي الدعوة غالبا من أجل المشاركة في نشاطاتهم السياسية وألبيها. وقبل الانتخابات الرئاسية الماضية استدعاني أحمد ولد داداه لحضور مؤتمر صحفي أعلن فيه ترشحه للرئاسيات -وحضرته- مما أثار انتباه بعض المقربين لي، واعتبروه انضماما أو مساندة لولد داداه؛ إلا أنني نفيت ذلك واعتبرت أنني حضرت كمدعو وكصديق فقط. أما فيما يخص أحمد ولد سيدي بابه فهو زميلي في الدراسة، وقد قضينا سبع سنوات في حكومة واحدة، وظلت العلاقة بيننا مستمرة. ويشرفني أنني كنت معه إبان تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات في إجازة خاصة خارج العاصمة انواكشوط “السفير”: أين أنتم مما يجري من تفاعلات سياسية حاليا؟ سيدي: أنا أوجد في الوضع الذي كنت فيه سنة 1991، لقد ذهبت عن البلاد سنة 1989 وكنت أخدم في الخارج، ومع بداية التعددية ظل موقفي مستقلا عن الأحزاب السياسية؛ فقد كنت أرغب في الحفاظ على حريتي اتجاه كل القضايا الوطنية، وأن يكون رأيي نابعا من المصلحة الوطنية الكبرى؛ وهذا ما لم يتغير منه شيء حتى الآن.. فأنا لا أنتمي لأي حزب سياسي رغم العلاقات الكثيرة التي تربطني ببعض الأشخاص القياديين في الأحزاب السياسية الوطنية الذين كنت أطرح عليهم أفكاري اتجاه ما يجري في الوطن بحرية تامة.. وباستقلالية كذلك؛ هذا هو موقفي الحالي من الناحية السياسية، وكل ما أطمح إليه هو أن ينجح الموريتانيون -بهدوء وبمسؤولية- في المشاركة في انتخابات نزيهة، ويصوتوا -بكل حرية- لمن يرونه مناسبا لتحمل المسؤولية لقد تولد لدي رأي خلال السنوات الأخيرة بأن البعض أصبح ينظر إلى الدولة كما لو أنها تركة يراد تقسيمها، وكل شخص يريد أن يحصل على النصيب الأوفر؛ وهذه العقلية فاسدة، ويجب أن نتخلى عنها. فعملية بناء الدولة يجب أن تسود لدى الحاكم والمحكوم، وأن تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد لتحمل المسؤولية.. كمواطن فإنني أراقب الساحة الوطنية وأنتظر ما سيعلن عنه الفاعلون السياسيون، وما أعلنت عنه حاليا هو المعيار الرئيس في رأيي “السفير”: هناك أمور سكت عنها في السابق لاعتبارات.. ربما لوجود أنظمة أحادية يغيب فيها الرأي الآخر؛ ويتعلق الأمر بملابسات ما يسمى بقضية احميده التي كنتم -مع جنغ بوبو فاربا وأحمد سالم ولد لكحل- أحد أقطابها.. هل لنا أن نجد تفاصيل ذلك الملف؟ سيدي: أحب أن أبين لكم -في البداية- أنني في عام 1987 خرجت من الحكومة، وبعد ذلك بفترة قصيرة أرسلت مع وزير المالية ومحافظ البنك المركزي إلى وادان للإقامة الجبرية مدة ستة أشهر.. ولم أنظر إلى القضية -آنذاك- كقضية شخصية رغم أنه كان يقلقني أن يفهم الأمر كسوء تسيير؛ إلا أنه تبادر لي بسرعة أن الرأي العام لم يقتنع بذلك فيما يعني التفاصيل فإنني لن أعطيكم منها الكثير لأن السر الإداري يمنع ذلك؛ إلا أن هناك أشياء إدارية تخصني شخصيا.. فكوزير للصيد كنت أسعى دائما لأن لا تستغل الثروة السمكية دون ما تتحمل، وهو ما لم يحلُ للبعض آنذاك؛ فهناك من توجهوا لهذا القطاع بهدف الثراء السريع من خلال البحث عن رخصة للصيد أو لامتلاك البواخر.. وهو ما رفضته؛ باعتبار أنه سيزيد الضغط على الثروة البحرية. وهناك أطراف أخرى في الإدارة -كوزارة المالية مثلا- تريد زيادة الدخل، وقد وجدت في توقيف منح الرخص حدا للمداخيل؛ وهي سياسة اتبعتها رغم أنها غير محبوبة أنذاك.. ولم تكن هناك صحافة حرة ولارأي عام للدفاع عنها أما فيما يخص علاقتي برجل الأعمال احميده ولد بشرايه فلا تتعدى كونه أحد ملاك أكبر أسطول من السفن التي تم شراؤها بطريقة أشبه بالإيجار- شراء.. ومن خلال ما أوردت سابقا تبرز ملاحظتان: السعي إلى المحافظة على الثروة السمكية من خلال توقيف الرخص المحلية لشراء البواخر والرخص الأجنبية لصيد الأعماق. والملاحظة الثانية أنني -كوزير- لم تكن لي علاقة برجل الأعمال المذكور؛ سوى أنه كان يملك أسطولا بحريا تنقصه بعض الأوراق الضرورية وطالبته بإكمالها “السفير”: ماذا عن ملابسات التحقيق في القضية؟ سيدي: ما أتذكره أنني كنت مرتاحا حين أصررت على تحدي المشرف على التحقيق بأن يخرج لي دليلا واحدا يتعلق باتخاذ قرار بدافع القرابة أو الصداقة أو الرشوة. كانت الفكرة السائدة عندي تتلخص في أن قطاع الصيد قطاع مهم وقابل للتطوير؛ إلا أنه يتطلب العمل والمحافظة على الثروة البحرية باعتبارها حقا للجيل السابق واللاحق؛ ولا يمكن التلاعب بها. لقد أنجزنا خطة لتشجيع الصيد التقليدي الذي بدأ يتطور أنذك؛ وفيما يخص استفادة البلد من هذا القطاع فقد كنت أضرب دائما مثلا يتلخص في أن السمكة كالخشبة إذا أوقدت النار بها حصلت منها على قيمة.. أما إذا قمت بتصنيعها لتحويلها إلى أبواب ونوافذ.. فستحصل على قيمة أكبر، وهكذا دواليك. كذلك السمكة إذا ثلجتها حصلت على قيمة، وإذا صنعتها حصلت على قيمة مضافة أكبر.. إلخ. هذا إضافة إلى تكوين الأطر وترقية مركز البحوث العلمية “السفير”: هناك من يرون أن البلاد غنية بثرواتها التي تكفي لتحويل كل مواطن إلى غني.. فما هو تحليلكم لذلك؟ سيدي: موريتانيا لديها ثروات كثيرة، وهي هبة من الله لمجموعة من البشر من أجل استغلالها؛ فمريم ابنة عمران -عليها السلام- عند مخاضها طولبت بهز النخلة.. وهو ما يدل على أن الأسباب ضرورية؛ فعندما نتوفر على النفط والزراعة -وغيرها من الثروات- فإننا مطالبون باستغلالها لأن الاستغلال هو الذي سيمنحها القيمة؛ فأنت عندما تبيع الحديد الخام بكلفة أقل من استخراجه فإنك ستفلس؛ إن لدينا عقلية يجب أن تكافح.. ولا يجوز أن تعتبر كونك موريتانيا يضمن لك الغنى؛ فلابد من العمل يجب أن نستغل مواردنا لكي نستفيد منها، ويجب أن تكون لدينا سياسية لصرف الإيرادات، وأن تكون لدينا أولويات لذلك؛ كالصحة، والتعليم.. بالإضافة إلى سياسة اجتماعية؛ وهذه جوانب متكاملة. فالإنتاج لابد أن يصاحبه حسن التوزيع؛ كما أن الأخير لا يمكن أن ولايستمر دون إنتاج “السفير: في التحليل العادي للمواطنين الآن أن هناك تدني في انخفاض أسعار العملات الأجنبية مع ندرة الأوقية.. إلى ماذا يرجع ذلك في اعتبارك سيدي: لا يوجد جواب عندي لهذا السؤال؛ إذ لا أمتلك المعلومات الكافية للإحاطة به.. ما يمكنني أن أقوله مجرد بديهيات، فكل تغيير -مهما كانت نوعيته- كالتغيير الذي حدث في الثالث أغسطس لابد أن تصاحبه فترة انتظار من الفاعلين الاقتصاديين؛ سواء في الداخل أو الخارج؛ وهذا أمر طبيعي. وذلك الانتظار قد يقود إلى وضع أحسن أو أقل حسنا حسب الضمانات المقدمة والسياسات المنتهجة من طرف اصحابه كل ما أعرفه أن قيمة الأوقية الرسمية يحددها البنك المركزي حسب سلة من العملات وهو مايعطي معلومات عن وضعنا الاقتصادي. أما السعر الحر للعملة فيرجع إلى طلب وعرض العملة الأجنبية. وما يفسر الفارق بين سعر عملتنا الرسمي وسعرها في السوق الحرة يرجع من بين عوامل أخرى إلى كمية العملات الموجودة في السوق، حسب قانون العرض والطلب وعليه يمكن للبنك المركزي أن يؤثر على السعر الحر للعملة عن طريق ضخ أو امتصاص بعض العملات، وفقا للهدف المنشود “السفير: هل تفكرون في كتابة مذكرات خاصة بكم؟ سيدي: لقد طرحت علي هذه الفكرة سابقا؛ غير أن حرصي على توثيق المعلومات وأن لا تكون ضد اشخاص معينين ما زال يقف عقبة أمام إنجاز هذا العمل “السفير: هل قرأتم مذكرات المختار ولد داداه؟ سيدي: لقد قرأت مذكرات الرئيس المختار ولد داداه وكانت جيدة؛ فالرجل الذي عملت معه طيلة سبع سنوات ظل هو نفسه في المذكرات.. فهو متواضع لحد العظمة، مع وطنية نادرة؛ ولا يميز بين بقعة وأخرى من وطنه؛ وهناك شيء آخر لم يتضمنه الكتاب.. وهو ما يمتاز به من حسن الأخلاق