هناك جملة من التصرفات والقرارات الحكومية التي لا يمكن أن نفهمها إلا إذا اعتبرنا بأنها لم تتخذ أصلا إلا من أجل إظهار مدى الاحتقار الذي توليه "قيادتنا الوطنية" لهذا الشعب الطيب المسالم، ومن هذه القرارات والتصرفات سأكتفي هنا بذكر مثالين اثنين:
المثال الأول: انتخاب عمدة ازويرات رئيسا لرابطة العمد الموريتانيين، والمستفز في الأمر هو أن هذا الانتخاب قد جاء بعد مقطع الفيديو المثير الذي اعترف فيه السيد العمدة بأنه ظل يستولي على 48% من غرامات الصيد لمدة خمس سنوات متتالية، بلا أي وجه قانوني، حتى وإن ادعى السيد العمدة بأن العشرين مليار أوقية التي تحصل عليها من تلك النسبة لم تكن إلا الثمن المناسب لما تصبب من جبينه من قطرات عرق خلال تلك السنوات.
ألم يكن يستدعي هذا الاعتراف أن يُطلب من السيد العمدة بأن يقدم، على الأقل، توضيحا عن هذه النسبة التي ظل يستولي عليها لخمس سنوات متتالية دون أي وجه قانوني؟
الصادم في الأمر أنه بدلا من أن يُطلب من السيد العمدة أن يقدم توضيحا عن اعترافاته، فإذا بمن يحمل صفة "وزير عدل" يدافع عن العمدة في الجمعية الوطنية، ويصفه بأحسن الأوصاف، ويقول بأن حديث العمدة في الفيديو ربما يكون قد جاء في إطار شحناء انتخابية!!
فطوبى لمن نهب المليارات، وطوبى لمن اعترف بذلك علنا، ورجاء فلا تحدثونني بعد اليوم عن المقولة السخيفة والساذجة التي كانت تقول بأن الاعتراف هو سيد الأدلة. لم يعد الاعتراف هو سيد الأدلة في ظل وجود وزير عدل جاهز لأن يقول بأن ذلك الاعتراف ربما يكون قد جاء بسبب شحناء انتخابية!!
ولم يعد الاعتراف هو سيد الأدلة، إذا ما كان المبلغ المعترف به مبلغا ضخما لا يستطيع أغلب الموريتانيين أن يلفظه بشكل صحيح، ومرة أخرى، أتدرون ما ذا تعني 20 مليار أوقية ؟ إنها تشكل ضعف المبلغ الذي نحتاجه لتشييد شبكة للصرف الصحي في العاصمة نواكشوط.
ففي يوم الأربعاء الموافق : 17 ـ 12 ـ 2014، وحسب الوكالة الموريتانية للأنباء، فقد وقع وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية مع السفير الصيني في نواكشوط اتفاقية تقدم الصين بموجبها قرضا بخمسة مليارات أوقية، واتفاقية ثانية تمنح بموجبها هبة بخمسة مليارات أوقية.
وقد أكد الوزير في كلمة له بمناسبة توقيع الاتفاقيتين بأن المبلغ الإجمالي للاتفاقيتين (10 مليار دولار) سيوجه لتنفيذ مشروع الصرف الصحي في العاصمة، والذي ستنطلق أشغاله السنة القادمة.
إن نصف المبلغ، وأقول نصف المبلغ، وأكرر نصف المبلغ الذي دفعته الدولة الموريتانية ثمنا لقطرات العرق التي تصببت من جبين العمدة في الفترة ما بين (2005 ـ 2010) كان يكفي لأن يمتص كل المياه والمستنقعات التي ظهرت في العاصمة خلال موسم الخريف في السنوات الماضية، وتلك التي ستظهر خلال موسم الخريف في السنوات القادمة أيضا.
هذا هو العمدة الذي تم انتخابه رئيسا لرابطة العمد في موريتانيا، وسلموا لي بعد هذا الانتخاب على كل من صدَّق ذات يوم بأن هناك حربا على الفساد في هذا البلد.
أليس في هذا الانتخاب شيء من الاحتقار لهذا الشعب الطيب المسالم؟
المثال الثاني: تنخفض أسعار النفط عالميا لتصل إلى حدود 60 دولارا للبرميل، فتسارع الدول المجاورة إلى استغلال هذا الانخفاض العالمي في أسعار النفط من أجل تخفيف أعباء الحياة عن كاهل مواطنيها، فتعلن المغرب عن تخفيضات هامة لأسعار المحروقات، وتعلن السنغال بعدها عن تخفيضات كبيرة لأسعار المحروقات. أما الحكومة في موريتانيا، وعلى لسان أحد وزرائها فتعلن لشعبها الطيب المسالم بأنها لن تخفض أسعار المحروقات، ولا بأوقية واحدة، وبأنها ستواصل جمع الأرباح التي تتحصل عليها من فارق السعر، إلى أن تعوض كل المبالغ التي دعمت بها أسعار المحروقات خلال السنوات الماضية، بل وخلال العهود الماضية، وسلموا لي على كل من صدَّق ذات يوم بأن هناك اهتماما بالفقراء في هذا البلد.
أليس في هذا أيضا شيء من الاحتقار لهذا الشعب الطيب المسالم؟
إن لسان حال الحكومة يقول : إننا نحتقركم ..فماذا أنتم فاعلون؟
دعوني وبالنيابة عنكم أقدم إجابة مختصرة جدا على هذا السؤال: إننا لن نفعل أي شيء، إطلاقا، لن نفعل أي شيء، فلتواصل الحكومة احتقارها واستفزازها لنا، أما نحن فلن نُظهر إلا المزيد من الاستكانة والخنوع.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل