الاتحاد الأوروبي : لقد فات الأوان على مثل هذا الأسلوب من الابتزاز

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
ثلاثاء, 2014-12-30 20:36

محمد محمود ولد بكار   /كاتب صحفي

 

منذ استقلالها 1960 وموريتانيا تلاقي عونا سخيا من دولة الصين الشعبية، تلك الدولة التي تقع في مشارق الأرض والتي لم تأخذ من خيراتنا دانقا واحدا. ومع ذلك كل المعالم الثقافية والاقتصادية التي توجد بأرضنا شيدتها لنا تلك الدولة الشقيقة كعطية. إن أول مرفأ تم بناؤه على الأرض الموريتانية أنشأته الصين وهي تحت الحصار مرات ضعف تكلفته العادية، ولم تطلب منا يوما واحدا أن نغير من نهجنا أو مواقفنا أو طريقة حكمنا، وهي قمينة بذلك: تملك تاريخا، وقيما شرقية أكثر حشمة وأخلاقية وأكثر قربا منا، وهي ضاربة  في التاريخ، ولها من المزايا والتأثير ما يخولها القدرة على فرض نموذجها أو طلب تقليده، كماقابل للتدخلات الواسعة والحلوة ، الأمر الذي لم تفعله أبدا .هذا النمط من التعاون جعل المصالح الصينية المنتشرة عبر العالم في مأمن من الإرهاب، وجعل التعاون معها محل اعتزاز . 

 

 ذلك هو نمط الثقافة الشرقية تقول أن الصداقة القوية  لاتظهر إلا في الاوقات الصعبة عكسا  لأوروبا: تلك القارة التي صعدت علي سواعد وخيرات، بل وعلى كاهل شعوب أخري، بل  وتعطي الدروس عن أخلاق ومبادئ لا تحترمها أبدا، تلك الدروس التي في ظاهرها تذكرة صعود أو انتماء  للعالم المتحضر، وباطنها فيه الضغط من أجل النهب والاستلاب وتكريس التبعية،الثقافة الغربية تدهس الصديق الذي يسقط وتقضي عليه .

 

ذلك هو شعار التعاون الأوروبي الذي يريد منا أن نقبل أن نعيش مرتاحين في أغلالنا عبر قوانين ونظم وشرعيات هو من يحددها لنا .

 

الاستمارات التي يجب علي كل دولة أن تعبئها، الشفافية واحترام حقوق الإنسان وحقه  في ممارسة شعائره الدينية وغيرها، لا تعنيهم في شيء عندما يحاربون الحجاب ويفرضون قانون الإرهاب، ويعاملون السجناء من غير بني جلدتهم كحيوانات مفترسة يضعونهم في التوابيت، أو عندما يدعمون ديكتاتورا نصف قرن سلب بلده كل الحقوق لأنه يحافظ على مصالحهم، أو يدعمون انقلابا عسكريا  علي شرعية قائمة (مقابل تنازلات كما فعلوا مع موريتانيا )، أو يقوضون السلم في بلدان آمنة كما فعلوا مع ليبيا وسوريا  .

 

فضلا عن ذلك فقد عاشت أوروبا قرونا مع الإقطاع وقرونا مع العبودية ومع الأنظمة والشرعيات البالية. ولهذا جاء نمط الحكم فيها في شكله الحالي عبر التراكم، ولهذا أيضا حصلت على فرصة تعديل نظامها. نحن محرومون حسب منطق الاستعلاء الغربي من هذا التراكم  الذي يرتب البيت الداخلي ويعدل النظام لكي يتواءم مع الخصوصيات والمرجعيات. بل يجب أن نخضع مسارنا ليتلاءم مع القواعد الغربية والزائد علي ذلك سيتم قطعه علي طريقة "قانون حمورابي".

موريتانيا بلد ضعيف، عرف غيابا في النمو الاقتصادي طيلة قرون، وفي الدولة المركزية -أي ما بين 1087 و1960 ، باستثناء حقبة الاستعمارـ لم يعرف المجتمع أي تنظيم مركزي، وظلت ثقافة الدولة غائبة تماما، كيف نتواءم بين عيشة وضحاها مع نظام عمره 200 سنة من النشاط والفاعلية وتجربة الصح والخطأ. الغرب لا يريد لنا خوض نفس التجربة ، علينا فقط أن ندخل في التابوت . التعاون مع أوروبا ظل على حسابنا يستغلنا باستمرار، فالاتفاقيات مع فرنسا عقب الاستقلال تضمنت حرية الملاحة الجوية والبحرية بين البلدين، ولا يخفى على أحد جانب النهب في الموضوع، فموريتانيا لا تملك طائرة ولا باخرة وفرنسا تعرف ذلك جيدا. هذا النوع من التعاون يمتزج بالاستغلال وبسماجة في الأسلوب.

 

صحيح أن الغرب يريد التملص من ذلك النعت الشنيع الذي يلصق به دائما (إمبريالي). وهو يحاول خلق مفاهيم وعناوين جديدة لنشاطه مع الدول الضعيفة وخلق مواد رحيمة في الاتفاقيات ،لكن ذلك لا يغير من حقيقة الأمر شيئا، كونه يسعي باستمرار ،وبأشكال مختلفة ،لبرم اتفاقات مجحفة ولا يملك الطرف الضعيف فيها خيارات، من خلال ممارسة جملة من الضغوط عليها بما في ذلك الرشوة واستخدام مراكز الشفافية والدراسات وحقوق الإنسان التي تأخذ طابعا حياديا ومصداقية مزيفة من صنعه، للضغط علي تلك البلدان، خاصة عندما تحاول الوقوف في وجه مصالحه، فالكل يعرف أنه كان يرشي بعض محاوريه عندنا، فقد وزع رشاوي خلال المفاوضات ولوّح بإغراءات خاصة خلال فتراته الأولي  .

 

 

الكتلة الاقتصادية الكبيرة تضغط

 

الاتحاد الأوروبي يتكاتف من أجل توسيع الاتفاق بما يضفى لسلبنا حقوقنا في اتفاق ظل مجحفا وضارا من يومه الأول ، وها نحن عاجزون بعد مسيرة ربع قرن من هذا الاتفاق عن أن نصل به إلي الحد الذي نحافظ به علي مصلحتنا وثروتنا بعد عشرات الجولات بسبب المماطلة الأوروبية والضغوط علي الأنظمة ، وربط الاتفاق بمجموعة العلاقات الأخرى مع دول الاتحاد .وليس بإمكان أوروبا القول أنها أكثر حاجة منا لخفض البطالة أو لإطعام الأفواه الفاغرة ،فنحن نتعايش مع نسب مخيفة من الفقر:40،7% والبطالة: 31% ( 10 آلاف شاب تنافست علي 150 فرصة عمل وفرتها الجمارك ) وهذه النسبة مرتفعة عن كل دول العالم: 52% عندنا مقابل 12% كمعدل عالمي ، كما يصل دخل الفرد عندنا 1100دولار ، ويحتل بلدنا المرتبة 121  من أصل 123 دولة علي مستوي التنمية الاجتماعية التي من ضمنها النفاذ على الخدمات الأساسية ، ونحن في تصنيف 25 دولة الأفقر في العالم التي تستفيد من شطب الديون، ويسجل التضخم نسبة 7% ، كما يعيش 40% من مواطنينا في الظلام من دون كهرباء، ونصرف 43 دولار فقط على صحة الفرد سنويا، كيف يتسنى للاتحاد الأوروبي أن يتصف بكل هذه الدرجة من الرعونة: الضغط على شعب بهذه الحالة من أجل سلبه خيراته، ونحن فقط نريده أن يشاركنا في مزايا هذا الاتفاق ، فهل ذلك منصف من دول بهذا الحجم وهذا الوزن ؟ فما تزال مدينة نواذيبو عاصمة الصيد خرابا ، كما تزداد التوترات الاجتماعية فيها بفعل البطالة وزيادة نسبة الفقر وضعف القوة الشرائية، فماذا فعلت أوروبا خلال 25 سنة لتغيير هذه الوضعية وهي تستنزف  ثلثي  منتوجات هذا القطاع ، ليس للاستهلاك وحسب ، بل أيضا للبيع  ؟ فنحن لم نستفد مع ذلك من نقل الخبرة الذي لم يعمل به الأوروبيون يوما واحدا ،ولم نطور من قدراتنا الإنتاجية أو الاستيعابية ، فبالعكس تراجعت سياسة المرتنة التي قطعنا فيها أشواطا : فتلاشى أسطولنا الوطني من 100 باخرة إلي أقل من النصف ،نفس الشيء حدث للمصانع التي تقلصت هي الأخرى إلى 56 % وقد علق نصف اعتماداتها، وظلت البقية تعمل بأقل من 30% من طاقتها. مساوئ الاتفاق لا تنتهي ؛فقد بدأ بكمية كبيرة من المجهود الحر الفوضوي والكارثي علي البيئة وعلي المصائد وعلي الثروة مع رقابة ضعيفة بل استثنائية ، ومقبوضات تجاوزت 550ألف طن و400 سفينة ـ تلقي فضلاتها في مياهنا ـ منها 2 محرمة دوليا ،كل ذلك مقابل 84 مليون دولار سنويا. وفي السنوات الموالية لبدْء الاتفاق أي 2003 تراجعت الكميات المصطادة من 53% إلي 16 % و10% فقط من هذه الكميات تفرغ في الأراضي الموريتانية وجزء من هذا التفريغ يتم في عرض البحر، أي الإمعان في حرماننا من أي شيء ينقص ضغط البطالة علي الأراضي الموريتانية أو يحقق التأثيرات الاقتصادية المطلوبة .وبحسب هذه اللوحة فإن الاتحاد الأوروبي هو المسؤول بالدرجة الأولي عن هذه الوضعية من خلال جهوده الدؤوبة لسلبنا كل شيء عكس المشاركة في المسار التنموي للقطاع وللدولة من جهة ثانية.. الدول الغنية  في الحقيقة لا تملك أي أخلاق خارجا عما يجري له الترويج خلف الأبواب المفتوحة وهي تسعي لخنقنا مجددا.

 

 اوروبا تستنزفنا وتغلق الباب في وجهنا

 

المشاكل التي تطوقنا كلها من صنعها،  والمشاكل التي تشغلنا اليوم من تأثير العلاقة بها ، وهذا أيضا لا يكفي في نظرها بل تحاول أن تصنع لنا مشاكل داخلية تخصنا ولا تنفك .

 

 لقد اندمجت موريتانيا في حروب أكبر منها بكثير: حرب مكافحة "الإرهاب" ، حرب مكافحة الهجرة ، وحرب مكافحة مرور المخدرات، هذه هموم أوروبية ومع ذلك تقع علي كاهلنا، ولا تسألني عن العون الأوروبي؛ ففي مجال محاربة الهجرة تم تكوين مشروع للتنسيق بين موريتانيا وإسبانيا وكان تمويله شحيحا بمقدار 12مليون يورو لتطوير عمليات رقابة خفر السواحل. وقد أبلت موريتانيا بلاء حسنا من خلال الجهود التي بذلت حيث تراجعت الهجرة إلى الصفر عبر المياه الموريتانية ، وربحت الميزانية الإسبانية المليارات التي كانت تصرفها علي محاربة الهجرة والتي كان الاتحاد الأوروبي يتحمل القسط الوافر منها

 

وعلي مستوي مكافحة " الإرهاب" بخلت الدول الأوروبية علي البلد المفتوح بحدود 2000 كيلومتر علي الصحراء من مزايا الدعم الذي تقدمه للدول التي عينتها كشرطة لحراسة البوابات ، فقد منحت لموريتانيا 25 مليون دولار مقابل 100 مليون لمالي و75 مليون للنيجر و60لبوركينا فاسو حسب بعض المصادر. الحرب على الإرهاب حرب غربية بالأساس، وكل الذين أصبحوا هدفا لتلك الحركات ليس إلا بسبب علاقتهم بالغرب ، إذن كان يجب علي أوروبا أن تدافع عن نفسها، ومع ذلك أضافت لحروبنا الداخلية مع الفقر والبطالة وغيرها حربا أمنية أكبر من إمكانياتنا ولم تعطنا ما يلزم .

 

لقد أصبحنا مجبرين على الدفاع عن أنفسنا في حرب الأقوياء ولذلك عدنا نستجدي مرة أخرى من أجل 50 مليون دولار ، وهكذا أيضا عدنا أدراجنا ـ عندما أغلق الغرب شريكنا في الضراء الباب في وجهنا ـ  إلى الباب المفتوح أمامنا دائما شقيقتنا المملكة العربية السعودية التي عودتنا علي الوقوف إلى جنبنا في الشدة والرخاء ومنحتنا 50 مليون دولار مرة أخرى لمراقبة الحدود ، وهي سر فاعلية نظامنا الأمني .التعامل مع الغرب ليس إلا نكبة حقيقية .

 

البرلمان الأوروبي ومن بعده أوروبا يرسل تهديدات وضغوطا مبطنة لموريتانيا علي إثر توقيف مواطن موريتاني يواجه تهما جنحية تقف معه قطاعات وفاعليات عريضة سياسية وحقوقية في المجتمع ،ويحظى بمرافعة 32محام جندوا أنفسهم للدفاع عنه بصفة عفوية ومجانية أي أنه ليس وحيد أبدا ، رغم أنه قاد أحداثا اتسمت بالشطط.

 

 الشخص الذي يملك إيديولوجيا ويدافع عن حقوق مشروعة لا يخاف من بلده، لكن الشخص الذي يبيع الإيديولوجيا ويتعامل مع أعداء بلده هو الذي يجب أن يخاف.

 

 فهل بيرام في بلده بحاجة لتوصية أوروبية، أم أن أوروبا لا تريد تفويت  فرصة ضرب عصفورين بحجر واحد : من جهة تصوير قضائنا وحكومتنا أنهما لن يكونا عادلين إلا تحت الخوف، وبالتالي تجعل الناشطين يتعلقون بهم ـ أي الأوربيون ، وينسقون معهم ليستغلوهم كل ما لزم الأمر ،ومن جهة أخرى إرسال برقية للحكومة أنهم لازالوا يملكون أوراقا لتحريك الوضع .

 

لكن للأسف لقد فات الأوان فموضوع العبودية لم يعد هو الموضوع المناسب الذي يجب أن تضغط علينا به أوروبا ، حتى وإن كان هناك بالتأكيد شيء ملازم لهذا الضغط  كتعليق اتفاق الصيد بسبب الخلاف حول 15 مليون يورو ، مع أن المتخصصين يرون أن الاتفاق بالشكل الذي تريده موريتانيا ما يزال مجحفا بها، وأننا عجلنا من رقصتنا ، حينما توهمنا بأننا حققنا مكاسب كبيرة ، وحتي أمام هذا الوهم  ظل الاتحاد الأوروبي يمانع ويضغط علينا ،كم هو بخيل؟ وكم هو منافق إذ لم يعلق علي موت الأمريكي الأسود برصاص الشرطي ، ويوجه إلينا بيانات تحريضية  وكأن المعتقلين يواجهون الإعدام أو سلب الحقوق المدنية؟  متى كان الضمير الغربي حيا ومتى كان فاضلا ،ومتى كان قضاؤه مستقلا إلا حينما لا تكون للدولة أي مصلحة ، ومتى سكتت القوة العمومية في الغرب وفرنسا خاصة عن التظاهر غير المرخص ، ألم يعش العالم أسبوعا من الأحداث الدراماتيكية في ضواحي باريس بسبب أحداث الشغب التي أثارها تعامل الشرطة مع المحتجين الأجانب. في كل مرة تحاول فرنسا تكريس إرثها في المنطقة : خلق وضع ملتهب تمسك خيوطه.

 

مرة أخري مسألة العبودية ليست هي الورقة الرابحة للضغط علينا ، أيها الأعزاء ،فهي حربنا الداخلية فكلنا مقتنعون وملتزمون بمحاربتها: أحزابا ومجتمعا ودولة ،فهناك انسجاما وطنيا جادا وصارما بذلك. الخلاف بين الأطراف حول المقاربات ،:سياسية أو حقوقية أو اقتصادية أو اجتماعية  ، الكل يتبني طريق السلم وتعبئة الموارد وقد حقق مكاسب كبيرة قانونية وسياسية ،مع وجود النقص الكبير طبعا في جوانب متعددة من القضية : الاتفاق حول الحالة الراهنة للعبودية ، بلورة رؤية موحدة ، والاتفاق حول الطريق الأنجع لتفعيل القوانين وتوظيف السياسات ، وانتهاج  الأسلوب التشاركي الواسع .

 

ولخدمة ذلك هناك أكثر من جهة سياسية مهتمة ومتخصصة في الشأن تخلق نقاشا ونشاطا حيويين حول الموضوع ،كما أن الدولة نفسها بفعل الدفع السياسي الذي تحظي به القضية ، طرحت جملة استراتيجيات لم تكن فعالة لكنها جزءا من البحث عن حلول  في ضوء الاهتمام المتنامي بالموضوع ، كما دخلت الأمم المتحدة ٢٠١٣ (أكبر هيئة عرفها عالمنا للسوء،  بما هي الإطار القانوني والشرعي لممارسة إرهاب الدولة بما قدمته وتقدمه من تغطية لتدمير دولنا العربية والاسلامية)،  دخلت إذن علي الخط  مع الحكومة في استراتيجية ثلاثية الأبعاد: دينية واقتصادية وقانونية لمحاربة العبودية في البلد .

 

الدولة الموريتانية، رغم حداثة سنها، لم تحتضن العبودية ـ مثل أوروبا ـ فقد تم التعاطي مع الموضوع حين تمت إثارته ، مع غياب الإطار النظري والاستراتيجي،  وبالتالي غياب رؤية منسقة حول الموضوع ، ومع ذلك ، فقد جاء التعاطي معه سريعا علي خلفية الأحداث المتعلقة بالموضوع ،فبعيدا عن جذور الوعي بالموضوع التي كانت فردية ومنفصلة :كتابات لم تعرف النور و إثارة الموضوع في بعض اجتماعات الأطر من قبل مسعود ولد بلخير خلال الستينيات بحضرة رجل النظام القوي أحمد ولد محمد صالح حينها، أو محاولات   بلال ولد ورزك الذي نجح في نشر مقال حول الموضوع عبر علاقته بشباب حزب الشعب 1974 ، غير ذلك لم يصل للجمهور أي تعبير سياسي يصدر للعلن في شكل حركة قبل 1978 ميلاد الحر ، حيث  أعلنت اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني علي لسان  وزير داخليتها 26 نوفمبر 1978   على خلفية نشاط الحركة أنها - أي اللجنة العسكرية - غير عبودية  وفي 5يوليو 1980 تم إلغاء العبودية في اجتماع اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، وفي مارس 1981صدر قانون إلغاء الرق وبعد ذلك بسنتين  أي 1983أصدرت الأمم المتحدة تقريرا عبر موفدها  البلجيكي (بوسييت ) الذي برءّ تقريره  للدولة من موضوع العبودية  .

 

صحيح أن المسار لم يشهد تطورا ومؤدى ذلك مثل أمور البلد كلها الركود والدكتاتوريات وتراجع دور الحركات والفقر وعدم الاستقرار السياسي وضعف النخبة الوطنية ،وبصفة خاصة عدم وجود إطار نظري  أو استراتيجي للموضوع ، لكن مع بداية المسار الديمقراطي أي مطلع التسعينيات كان موضوع العبودية أحد أهم الأوراق السياسية المطروحة علي الطاولة والمعروضة للنقاش، ولهذا لا يوجد ضمن الأحزاب المشرعة وغير المشرعة في البلد ، حزب واحد لا يتناول قضية العبودية بصفة مستقلة وبشيء من الأهمية  ،كما لا يمكن لأي سياسي أن يصل إلي السلطة في البلد إلا ويتضمن برنامجه الانتخابي بشكل بارز وصريح موضوع العبودية ، بل صارت هناك منافسة واسعة علي استخدام خطابها ، كما أضحت محورا مهما في إبرام التحالفات السياسية مثال  ٢٠٠٥ بين سيدي ولد الشيخ عبد الله وحزب التحالف الشعبي التقدمي وحاضرة في  جميع التعديلات الدستورية  عقب الحوار السياسي ٢٠٠١٢ .

 

قضية العبودية اليوم  أمست تيارا لا يمكن لأحد مهما كانت قوته أن يمشي بعكسه ، لكن الخلاف حول كيف يمكننا أن نخرج برؤية موحدة حوله ؟ وبشكل أدق كيف يمكننا أن نخرج بالموضوع من مجال التسييس عندما صار قضية وطنية بحته ،إلي مجال البحث عن حل في أفق رؤية ومدة محددتين . إن كل ما تقوم به إيرا هو جزء من هذا التخبط الذي يمر به الجميع بما في ذلك الحكومة في غياب الخروج برؤية وطنية موحدة ومنسجمة لعلاج الظاهرة واستفادة المتضررين بصفة حقيقية ونهائية منها، بما يغير من وضعياتهم المادية والنفسية ، وليس لنيل الشهرة أو استفادة النشطاء علي حسابهم ، ولا لنقاش هل هي موجودة أو غير موجودة ، ولا لنقاش هل النشطاء مدفوعين بمشاعر صادقة أو مأجورين للأجانب . الموضوع هو أكبر من كل ذلك .

 

 لكن الشيء الذي يجب الوقوف عنده والحفاظ عليه في ضوء هذه الحراك  المتشعب ، وهو أهم ما تحقق إلى الآن، هو أنه تم جر المجتمع والرأي العام الوطني إلي التعاطي مع الموضوع كقضية وطنية ، وعبر طريق البحث دائما عن الحل ضمن خيارات السلم والمبادرات الإيجابية . ذلك الطريق الذي  سلكته النخبة الوطنية منذ تبنيها للموضوع من الستينيات إلي الآن وهو الطريق الذي أظهر نجاعته  وقدرته على الحفاظ وعلي وحدة وسلامة البلد ومكوناته، وهو الطريق الذي يجب على السلطات أن تستوعبه وتمنحه الثقة ، لأن الطريق الآخر نما وترعرع علي حسابه وفي أحضان إهماله وعدم التعاطي مع الطريق الأول بالجدية الكافية خاصة حول تنفيذ الترتيبات القانونية وتفعيل الإستراتيجيات . ذلك ما سيبعد شبح استغلال الموضوع من طرف الأجنبي خاصة إذا كان يستعمله للضغط من أجل لي ذراع بلدنا للرضوخ لمساعيه الرامية إلى استنزاف خيراتنا .

 

إن موريتانيا -رغم كل المواجهات والمآسي التي مرت بها- تلتمس طريقها بعيدا عن المعلمين الانتهازيين . صحيح أننا نعيش تراجعا في فاعلية نظامنا الاجتماعي والسياسي وبالتالي ارتباكا في المسار ، لكن أيضاً هناك مكاشفة عامة سواء كانت تكتسي طابع التشدد في أغلب الأحيان إلا أنها تضع السلطات والمجتمع في مواجهة مشاكل ملحة لا يمكن حلها إلا في إطار المساواة ودولة المؤسسات .وذلك هو المنعطف الذي يجب أن نلقي فيه الأصدقاء ، وقد كان حري بفرنسا أن تكون هناك ، لكنها اختارت الطريق الاخر

 

أوروبا المتحضرة وفرنسا بالخصوص يجب أن يتخلصوا من طموح الهيمنة ويمنحونا الفرصة للتعاطي مع مشاكلنا بصفة مستقلة، كما عليهم أن يترفعوا  عن امتصاص دمائنا، ألا يكفيهم ٢٥ سنة من استنزاف خيراتنا البحرية؟ وقرابة العقد من استنزاف معادن الحديد بما يزيد علي ١٠٠  مليون طن؟  إن فرنسا ستكون مسؤولة أمام الأجيال القادمة عن استنزاف الخيرات الموريتانية ، وعن جهودها الدائمة الرامية إلي زعزعة الاستقرار   .