يستنزف مصرف ليبيا المركزي احتياطاته من النقد الأجنبي، وتقلل الحكومة الكثير من خدماتها، في الوقت الذي تئن فيه ليبيا من تداعيات هبوط إيرادات النفط جراء اقتتال فصائل متناحرة ينذر بتمزيق أوصال البلاد.
وفي ظل هبوط سعر النفط، وعدم ظهور أي بوادر على انتهاء الأعمال القتالية، لم يعد أمام ليبيا سوى خيارات اقتصادية معدودة. ويقول بعض الخبراء ان البنك المركزي، الذي يسعى حثيثا للبقاء محايدا وسط القتال الدائر في البلاد، قد يضطر إلى خفض قيمة العملة بشدة لدفع رواتب موظفي الدولة.
ومع تضرر معظم الحقول النفطية والموانئ من القتال، نزلت صادرات ليبيا من الخام عن 300 ألف برميل يوميا، أي ما يقل عن 20 في المئة من مستواها البالغ 1.6 مليون برميل يوميا قبل سقوط معمر القذافي في عام 2011.
ومنذ ذلك الحين تشهد البلاد اضطرابات في ظل القتال المشتعل بين الجماعات المعارضة التي ساهمت في الإطاحة بالقذافي وتتصارع حاليا على السلطة. وانقسمت هذه الجماعات بين متحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا في الشرق، وأخرى موالية لحكومة منافسة سيطرت على طرابلس في الصيف.
ولم تضع أي من الحكومتين المتنافستين موازنة لعام 2015. ويبدو أن كلا الجانبين يصر على هزيمة الآخر في ميدان المعركة، ويستهدفان المنشآت النفطية والموانئ ومصانع الحديد والصلب.
وتسببت الاضطرابات في انخفاض قيمة العملة الليبية 30 في المئة أمام الدولار في السوق السوداء، نظرا لأن صادرات النفط هي المورد الوحيد لتمويل الموازنة وفاتورة الواردات السنوية البالغة 30 مليار دولار.
وقال موظف في بنك حكومي في طرابلس ان المصرف المركزي توقف عن توفير الدولارات منذ أشهر.
لكن الأسوأ لم يأت بعد. فقد قال حسني بي، رئيس إحدى أكبر الشركات الخاصة في ليبيا، ان البنك المركزي قد يضطر إلى خفض قيمة الدينار 50 في المئة للتعويض عن إيرادات النفط المفقودة ودفع رواتب العاملين في الحكومة.
وذكر البنك المركزي أن ليبيا تعاني عجزا في الموازنة بلغ نحو 15 مليار دولار في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني ، قبل أن يهبط إنتاج النفط إلى النصف.
وقال بي، رئيس مجموعة «إتش.بي» أحد أكبر المستوردين في ليبيا، ان العجز سيتسع هذا العام نظرا لأن صادرات النفط والغاز لن تجلب سوى 11.6 مليار دولار.
وأضاف أن تكلفة الرواتب ودعم القمح والبنزين ستصل وحدها إلى 38 مليار دينار (28 مليار دولار). وافترضت موازنة العام الماضي تجاوز إنتاج النفط 600 ألف برميل يوميا، وهو مستوى يتعذر الوصول إليه حاليا في ظل القتال الذي لم يفلت منه تداعياته سوى مينائين إلى جانب الحقول البحرية.
احتياطات النقد الأجنبي
نتيجة لذلك حذر المصرف المركزي الأسبوع الماضي من أنه يستنزف احتياطات ليبيا من النقد الأجنبي. ولم يذكر البنك حجم الاحتياطات التي استنزفها منذ يونيو/حزيران الماضي، حين كانت الاحتياطات تصل إلى 109 مليارات دولار.
وأقر البنك بالمشكلات الاقتصادية في البلاد، لكنه لم يتحدث إلا عن الحفاظ على القيمة الحالية لسعر الصرف الدينار الليبي ومناقشة سبل الوفاء بالتزامات المالية العامة في عام 2015.
وتتمثل إحدى المشكلات في أن نصف احتياطات ليبيا الأجنبية فقط يوجد في صورة سائلة أو سندات مقومة بعملات رئيسية. أما بقية الاحتياطات فهي عبارة عن مزيج من أصول يصعب تسييلها إلى حد ما – كحصص في بنوك إيطالية وبحرينية أو سندات صينية أو ودائع بالفرنك الأفريقي – فضلا عن أن بعض الاستثمارات متعثرة بسبب نزاعات قضائية.
ولا يعد خفض الموازنة خيارا عمليا، نظرا لأن ثلثي الأموال مخصص لرواتب العاملين بالحكومة وبرامج الدعم. ومعظم البالغين مدرجون على قوائم الأجور الحكومية – وهو أسلوب كان القذافي يستخدمه لضمان ولائهم له – وستبقي الأطراف المتحاربة على هذا النظام دون تغيير لأن مقاتليها مدرجون على قوائم أجور الدولة.
وقال أليكس وارن، من مجموعة «فرونتير» الاستشارية التي تدير موقع (ليبيا ريبورت الإلكتروني)، ان البرلمانيين المتنافسين في البلاد سيضطران للسعي وراء الحصول على قروض من البنوك الليبية أو على دعم من الخارج.
ويسعى كل من رئيس الوزراء عبد الله الثني الذي يرأس الحكومة المعترف بها دوليا في شرق البلاد، وعمر الحاسي الذي يقود الحكومة المنافسة في طرابلس، إلى إظهار أنهما يعكفان على حل الأزمة الاقتصادية من خلال عقد اجتماعات يبثها التلفزيون مع كبار رجال الأعمال.
لكن المواطنين العاديين يقولون ان الدولة توقفت عن تقديم خدمات أساسية في بعض أنحاء البلاد بسبب تعليق التمويل أو توقف الوزارات عن العمل.
وفي شرق ليبيا توقفت شركة المدار الحكومية لخدمات الهاتف المحمول عن العمل، بينما باتت انقطاعات الكهرباء تتكرر بصفة يومية. ويعزو المسؤولون نقص التمويل إلى أعمال صيانة أو نقص قطع الغيار اللازمة لإصلاح المنشآت المتضررة من القتال.
وفي المستشفيات الحكومية في مدينة بنغازي يضطر المرضى إلى جلب أدويتهم معهم أو إجراء اختبارات الدم في معامل خاصة.
وقال متحدث باسم أكبر مشتشفى في بنغازي «يوجد نقص شديد في الأدوية. لم تعد لنا ميزانية من وزارة الصحة».
وصار البنزين شحيحا في بنغازي وغيرها من المدن الشرقية بينما يقف المواطنون في صفوف من أجل شراء الخبز. وتوقفت الواردات منذ شهرين بسبب القتال.
وتفتقر ليبيا أيضا إلى الأموال اللازمة لإعادة إنشاء البنى التحتية مثل المطارات والمنشآت النفطية والتي قال بي إنها ستتكلف 38 مليار دولار.