تاريخ الدولة الموريتانية حديثة النشأة ، زاخر بالأزمات السياسية كمعظم الدول لافرنكفونية ، والتي نفث المستعمر الخبيث سموما في شرايينها كانت نواة للعديد من البلابل ،وقد شهدت البلاد أيام المرحوم أبو الأمة ومؤسس الدولة أزمات سياسية بين النظام والحركة الوطنية الديموقراطية ، وما بين 1978 – 2008 لا يكاد يخلو عقد من تلك الفترة من انقلاب عسكري مما عطل أشرعة سفن البناء ، وأعاق الدولة في اصعدتها الحيوية غداة غياب رؤية ثاقبة وحازمة تتوكأ عليها , فراحت فريسة استأسد المفسدون في نهشها , فنمت بها ظاهرة اللوبيات, التي بشرت بالفرقة والمحسوبية والبيروقراطية ، المهلكة للحرث والنسل, والمجسدة للظلم والتهميش من كل الاطياف الاجتماعية وليست الانقلابات العسكرية طريقة متحضرة للتغيير ، لكنها بنظري سلاح ذو حدين ، فقد تكون انتقامية وضيقة الافق ، كما قد تكون حركة تصحيحية تمهد لترسيخ العدالة وإرساء الديمقراطية , والأمثلة حية في بعض بلدان العالم.
واليوم وبعد إعلان قطيعة مع زمن الضياع الذي كادت الدولة فيه تعلن فشلها، وبعد استحداث قوانين تجب الانقلاب وتحرمه وتجرمه ، وبعد اجتياز قنطرة الخوف إلى بر الأمان, ورغم تنظيم انتخابات كانت شفافة بكل المعايير والمقايس, ما زال البعض
يرى ضرورة حوار سياسي, يضفي إلى نتائج توافقية, تضمن مشاركة الجميع, وقد بدا أن الرئيس بات يرهف السمع لتلك الدعوات, ويمد يد الصفح لمناهضيه، الشيء الذي جعل مسعود يدلي بدلوه بمبادرة ، كل ذلك من أجل الحوار القريب البعيد ، والسهل الممتنع فكيف ينظر المواطن البسيط للحوار؟
فما بين موالاة مزهوة بأغلبية مريحة في الدوائر الانتخابية ، وبنهضة تنموية لا مست مختلف المجالات التي تسير فيها حياة الشعب ، وكانت خلاصة مشروع دولة تجسد واقعا معاشا ، ومعارضة ترى أن البلد يزداد ظلما وغبنا في ظل نظام أحادي اختطف الديمقراطية وكرس المحسوبية والانتقائية في هم العباد وشعب البلاد ، واستأثر برؤيته الارتجالية في التسيير فلا مناص برايها من حوار سياسي يخرج الوطن من عنق الزجاجة، ولكلا الطرفين عدته وعتاده للمنازلة الحوارية المفترضة، والتي باءت بالخيبة في فصولها السابقة لعديد العقبات والأسباب. وبين هذا وذاك تشرئب اعناق حملة شهادات معطلين تجشموا عناء الغربة والتحصيل، وبؤساء يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء ، وعالة مطحونين في الارياف واحياء الصفيح، وعمال سحقتهم ليبرالية متوحشة وعانوا من قوانين الشغل التي لا تتجدد بتجدد الزمن، ومزارعين ومنمين في سنة قحط، ومتقاعدين ضحوا من أجل الوطن إلى قيادة وطنية انتخبوها وتمثلوا فيها الخلاص وما فتئوا يحثون خطاهم خلفها , وتبنوا مشروعها ، وحفظوا وعودها عساها تتحفهم في المأمورية الثانية بما يخفف معاناتهم التي تغض مضاجعهم ، ويهتمون لها اكثر مما يهتمون لحوار طبقة سياسية ميكافيلية ومتهالكة وخرفة ، تسرق وقتهم وتعمق جراحهم ، ودرجت على اللغط السياسي لتملا به هوامش عجزها ، ومساحات إفلاسها .
لقد اصبح الشعب الموريتاني يتطلع تباعا لمسيرة الحضارة الإنسانية وحركتها، ولم يعد ذاك الشعب البدائي الساذج ، وهو إذ يثمن المكتسبات فيحدوه الأمل إلى مواصلة قطار النهضة سيره دونما تعثر ، ويعلق آمالا جساما على قيادته الرشيدة لتذليل الصعاب ومحاربة الفقر والعمل على تنمية مبادئ التواد والتعاضد بين اللحمة الوطنية لضمان غد آمن ومشرق .
لمرابط ولد محمد لمين الملقب إشمخو