بدأت المصارف الإسلامية تشق طريقها في موريتانيا منذو ثلاث سنوات فقط ، في ظل نظام مركزي ربوي لم يلقي لطبيعتها أي اهتمام في مجال التشريع ، فخضعت لقانون مؤسسات القرض (020ـــ2007 ) الصادر 17 مارس 2007 ، رغم ذلك اقتحمت السوق المصرفي الذي يتسم بمنافسة حادة ، وبالأخص في ظل فتح مؤسسات تقليدية لنوافذ إسلامية ولاشك أنها اكتسبت كثير من الزبناء بفعل تدين الشعب الموريتاني والذي يطمح لوجود بديل حقيقي عن المعاملات الربوية ، الأمر الذي جعلها مرآة عاكسة للمعاملات المالية الإسلامية في نظر هؤلاء، و ما تتسم به من مرونة في مالا نص فيه ثابت من كتاب وسنة وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان وشموليتها ، التي تجعلها قادرة على ريادة العالم وإنقاذه من الربا و المحق (الأزمة المالية ) ، وفي31 دجمبر (نهاية السنة المالية ) أعلن البنك المركزي من خلال مجلس السياسة النقدية سحب رخصة " موريس بنك " ، كحد نهائي للمصاعب المتلاحقة التي لحقت بالبنك مما يعني نهاية سريعة لتجربة وليدة اشرأبت إليها أعناق الكثيرين الأمر الذي يكشف القناع عن مسؤولية دائرتين هي: المساهمون وهيئة الرقابة الشرعية .
وذلك بالنظر إلى المبررات التي قدمها مجلس السياسة النقدية و هي :
ـــــ غياب المصرف عن غرفة المقاصة من31 مارس 2014 ، وعجزه عن الوفاء بالتزاماتها اتجاه زبنائه .
ــ العجز الكبير في الخزينة .
ـــ النوعية السيئة لمحفظة القروض وعدم كفاية مخصصات المؤونات .
ـــ سالبية الأموال الخاصة للمصرف .
ــ عدم احترامه لنسب رأس المال الأدنى ،نسبة الملاءة ، نسبة السيولة ، نسبة الصرف من العملات الصعبة ، سنحاول التطرق لمسؤوليات الدوائر كمايلي:
أولا : المساهمون
لقد أخذ هؤلاء على عاتقهم إنشاء مصرف إسلامي، مما يعني ذلك الأخذ بمجموعة من المبادئ نذكر منها :
ـــ الالتزام بموقف الشريعة من الفائدة المصرفية باعتبارها الربا الصريح المحرم بالكتاب والسنة والإجماع ، مما يعني القيام بوظيفة الوساطة من خلال تلقي الودائع الجارية باعتبارها قرض يضمنها البنك للعملاء ولهم الحق في سحبها متى أرادوا ، وتلقي الودائع لأجل عن طريق صيغ المشاركة أو المضاربة والبنك لا يضمن إلا في حالة التفريط أو التعدي .
ـــــ الالتزام بالسلوك والأخلاق الإسلامية اتجاه المتعاملين والتحلي بالصدق والإيمان بالمشروع الاستقلالي للمصرف الإسلامي ، مما يعني وضع الثقة في الذين يجمعون بين الورع و التخصص مظنة للصفات السابقة .
ــــ وضع التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع من ضمن أولويات المصرف في اتخاذه القرار الائتماني أو الاستثماري، الأمر الذي يعني وجود صيغ تمويل تلامس المجتمع من قبيل السلم و الاستصناع و الإجارة المنتهية بالتمليك .
لكن شيء من هذه المبادئ لم يتحقق على أرض الواقع مما يعني أن حقيقة الشعار هي الثابت في هذا الإطار ، وأنه مجرد ماركة موريتانية في إطار التقليد السائد لكل عمل تجاري كما هو الحال في المجمعات، أما من المبررات فيمكن أن نستنتج أن هناك تحايل ونية مبيتة للضرر بالمودعين، باشتراك مع الإدارة التنفيذية ،وذلك في ظل غياب تام لإدارة المخاطر داخل هيكلة البنك وعدم وجود سياسة ائتمانية ، تمكن للمودعين حقهم و تحقق مقصد شرعي كلي هو حفظ المال .
هذا بالإضافة إلى الضرر والتشويه بالتجربة الإسلامية الوليدة في البلد، كما يذكر بوجود إشكال بنيوي يتعلق بطبيعة المصارف في موريتانيا وقربها فقط من رجال الأعمال ، لأن هم من لديهم الضمان الذي تطلبه هذه المصارف كنوع من التحوط ، وقد يصل التمويل في أحسن الأحوال إلى الموظفين العاديين ويظهر أن قروضهم للإستهلاك ، مما يعني غياب الدور التنموي للمصرف .
ثانيا : هيئة الرقابة الشرعية
تعتبر تلك الهيئة ميزة في المصارف الإسلامية، فهي المسؤولة عن مدى التزام المصرف بأحكام الشريعة الإسلامية، من خلال الرقابة المتزامنة لجميع عمليات المصرف والتوقيع عليها، هذا بالإضافة إلى الفتوى من خلال الرد على الأسئلة والاستفسارات المقدمة لها، من العاملين بالمصرف أو المتعاملين معه، أم المساهمين أنفسهم عند مناقشة الميزانية أو في الأوقات الأخرى، والشهادة أمام الجمعية العمومية من خلال تقديم تقرير سنوي لها يعكس مدى مشروعية أعمال المصرف .
إن مهام الهيئة وحساسيتها تقتضي وجود ممثل دائم لها من بين أعضاءها ، يقيم العمل اليومي للمصرف ، الأمر الغير موجود للأسف في المصارف الإسلامية العاملة في موريتانيا ويجعلها صورية ، وتتجسد فيها مقولة البعض بأن الهيئة تجتمع في نهاية السنة لتصدر التقرير النهائي بعبارة " هذا ما أطلعنا عليه " كنوع من التحايل اللغوي على الدين والقيم والأخلاق، إن جوهر مسؤولية الهيئة في إفلاس موريس بنك تتمثل في عدم تحملهم إنقاذ أمانات العملاء ، باعتباره أحد المقاصد الكلية للشريعة ، فحفظ المال وما يترتب عليه من مقاصد فرعية يجب على الهيئة أن لا تألوا جهدا في تحقيقه .
إذا البنك المركزي الموريتاني ، أطلع على حيثيات المتاعب التي تعرض لها المصرف ، وقدم 16 إنذار لتصحيح الوضعية ، لكن الإدارة لم تتجاوب معه ، فأقدم على آخر إجراء و هو سحب الرخصة الذي يعني وضع تجربة الصيرفة الإسلامية على المحك ، وأنه في الأيام القادمة ربما تحدث سحوبات كثيرة ، نتيجة الإفلاس المبكر للتجربة والتي تعثرت بسبب البعد عن المنهج الإسلامي الحقيقي ، والشطط القانوني الممارس في حقها من قبل البنك المركزي ،مما يعني أنه على العلماء الراسخين ، أن يصححوا الأخطاء الفجة التي وقعت ، سواء فيما يتعلق بهيئة الرقابة الشرعية ، أو طريقة اكتتاب العمال التي يجب أن تخضع لمعايير تراعي التخصص بعيدا عن الطرق الملتوية الأخرى ، وعلى البنك المركزي الإسراع في وضع إطار قانوني خاص بهذه المصارف حيز التطبيق ، وهو الأمر الذي شرع فيه سنة 2013 بالتعاون مع البنك الإسلامية للتنمية وذلك باكتتاب مكتب خبر دولي لانجاز هذا الإطار، وقبل ذلك من الضروري إيجاد مخارج شرعية لإنقاذ المصارف الإسلامية من الإفلاس .
محمد محمود ولد عبد الرحمن / باحث في المالية الإسلامية