توزيع الـ'العيش' المدعوم يعد إنجازا رئيسيا للحكومة يوفر لها المال رغم أنه مازال شوط طويل لتطبيق النظام في أنحاء البلاد.
يشكل التطبيق الناجح حتى الآن لنظام "البطاقات الذكية" لتوزيع الخبز المدعوم إنجازا رئيسيا للحكومة المصرية سيوفر لها المال وسيمنحها في الوقت نفسه الثناء من الأسر التي لم تعد بحاجة إلى الاستيقاظ مبكرا والكفاح من أجل الحصول على الخبز المدعوم.
ويبدو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يحقق النجاح فيما فشل فيه الرئيسان السابقان حسني مبارك ومحمد مرسي في المهمة الحساسة لإصلاح نظام أثقل كاهل المالية العامة للدولة وأغضب الناس.
ورغم أنه مازال أمام الحكومة شوط طويل لتطبيق النظام الجديد في أنحاء البلاد فإن النجاح المحقق حتى الآن يشكل إنجازا مهما للسيسي.
وقالت بخيتة إبراهيم أمام مخبز في حي السيدة زينب بالقاهرة "أيام مبارك ومرسي لم يكن هناك نظام عند المخابز. كان الناس يتقاتلون. أما الآن فكل واحد يحصل على ما يحتاجه ويوجد خبز للجميع".
وعلى مدى أجيال كانت الحكومة المصرية تعتمد على توزيع الدقيق (الطحين) المدعوم على المخابز التي تبيع الخبز بسعر خمسة قروش (أقل من سنت) للرغيف.
غير أن هذا النظام حول مصر إلى أكبر مستورد للقمح في العالم واستنزف احتياطيات النقد الأجنبي إذ تنفق الدولة ثلاثة مليارات دولار سنويا على استيراده.
ولم يرض هذا النظام الناس أيضا. فقد كان الخبز يباع على أساس "أسبقية الحضور" وهو ما كان يجبر المواطنين على الوقوف في طوابير لساعات في الصباح للحصول عليه قبل نفاده وأدى في بعض الأحيان إلى حدوث عنف.
وكان بعض من يصلون مبكرا إلى المخابز يشترون كميات إضافية لتقديمها طعاما لماشيتهم بينما لا يحصل من يأتون متأخرين على شيء.
واتهم أصحاب المخابز على نطاق واسع بتهريب الدقيق لبيعه في السوق السوداء من أجل التربح بينما ترتفع الفواتير على الحكومة.
وفي النظام الجديد تحصل الأسر على بطاقات ذكية تسمح لها بشراء خمسة أرغفة للفرد يوميا. ولم يعد المواطنون بحاجة إلى الوقوف في طوابير.
وتحصل المخابز على مقابل الخبز المدعوم الذي تبيعه بدلا من أن تحصل على حصة ثابتة من الدقيق الرخيص وهو ما يجعل من الصعب ذهاب الدعم إلى غير مستحقيه.
وقال وزير التمويزن خالد حنفي إن نظام البطاقات الذكية طبق حتى الآن في 17 من محافظات مصر التسعة والعشرين وإن الاستهلاك في تلك المناطق انخفض بالفعل ما بين 15 و35 بالمئة.
ويتوقع حنفي أنه فور تطبيق النظام في أنحاء البلاد فإن الاصلاحات ستقضي على ما يكفي من الهدر لتمكين مصر من خفض الواردات بنسبة 20 إلى 30 بالمئة دون حرمان المحتاجين من الخبز.
ورغم أنه لا يمكن التحقق من تلك الأرقام بشكل مستقل إلا أنها بدت مبررة لعدد من المخابز التي تستخدم البطاقات الذكية في أربع محافظات حيث قال أصحاب المخابز إنهم ينتجون خبزا أقل بسبب الإصلاحات.
ويقول حمدي عيد وهو صاحب مخبز في مدينة السويس التي شهدت بعضا من أعنف المظاهرات خلال انتفاضة 2011 التي أطاحت بمبارك إن الإصلاحات جعلته "أكثر قابلية للمحاسبة". واصطف المشترون في هدوء حيث كان كل واحد يبرز بطاقته لموظف يمررها عبر قارئ البطاقات الذكية.
وقال عيد "في الماضي كانوا يتهموننا نحن أصحاب المخابز بالسرقة وبالمتاجرة بالدقيق في السوق السوداء".
وفي المناطق التي لم تطبق فيها الإصلاحات حتى الآن مازال الاستياء شديدا تجاه النظام القديم.
وقال إبراهيم عثمان وهو بقال في مدينة أسوان بجنوب البلاد "أضطر للاستيقاظ عند الفجر للحصول على الخبز لتجنب الزحام".
وفي الفيوم إلى الجنوب الغربي من القاهرة قالت سميرة مصطفى وهي ربة منزل إنها تعتبر أصحاب المخابز "غشاشين".
مزيج خطر
وعلى مدى عقود شكل الخبز والسياسة مزيجا خطرا في مصر التي يقترب عدد سكانها حاليا من 90 مليون نسمة غالبيتهم فقراء.
كان الرئيس السابق أنور السادات قد واجه احتجاجات في عام 1977 بعدما حاول خفض دعم الخبز. واندلعت اضطرابات خلال حكم مبارك وخاصة في 2008 عندما تسبب ارتفاع أسعار القمح في حدوث نقص وكان توفير الخبز بعد ذلك بثلاث سنوات أحد الشعارات التي التفت حولها الاحتجاجات التي أطاحت به.
ولم يتمكن مرسي من تنفيذ خطته للبطاقات الذكية وألقى باللوم على البيروقراطية في تخريب الإصلاحات. وساهم الاحباط والقلق من الفشل في إصلاح الدعم في تأجيج الاحتجاجات التي دفعت السيسي - عندما كان قائدا للجيش - للإطاحة بمرسي.
وحتى الآن مازال المسؤولون بالحكومة الموكلون بتنفيذ الخطة يشعرون بالقلق بشأن ما إذا كان النظام الجديد محكما بما يكفي للقضاء على الوسطاء الذين يديرون السوق السوداء.
وقال مسؤول بوزارة التموين مشترطا عدم الكشف عن اسمه "من يعتمدون على الفساد لن يتقبلوا الإصلاحات بسهولة".
ويقر حنفي بأنه كان هناك "منتفعون" من النظام القديم. وقال إنه عقد مئات الاجتماعات مع أصحاب المخابز لاقناعهم بالتعاون بشأن التغيرات.
وأضاف "كان علي أن أقنعهم .. كان على تقديم تنازلات للوصول إلى هذه النقطة. كان هذا كابوسا للمصريين لمدة 40 أو 50 عاما".