رغم رفضنا واستنكارنا لقتل أي إنسان خارج إطار القانون، إلا أن ما جرى بالأمس في فرنسا يثير لدينا الكثير من الأسئلة أولها وأبرزها هو مالذي يميز ضحايا الإرهاب في فرنسا عن غيرهم من ضحاياه الذين يسقطون يوميا بالعشرات و المئات في بقاع عديدة من العالم ؟ هل ما جرى في باريس هو لأن المستهدفين هذه المرة فرنسيون، أم لأنهم كانوا يسيئون في صحيفتهم القبيحة للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؟
ألم يفكر هؤلاء الذين احتشدوا في باريس من قادة العالم في ضحايا الإرهاب الذين يسقطون في كل حين بفعل إرهاب والدول والجماعات و الأفراد ؟ ألم يسقط قبل أيام قليلة أكثر من مائة قتيل في نيجريا على يد جماعة بوكو حرام الإرهابية، ألا يمثل أولئك الضحايا أناسا يستحقون التنديد بقتلهم والتظاهر ضده، وإذا كان المحتشدون في باريس صادقون فعلا في رفضهم للإرهاب فلما لا يعبرون عن ذلك قولا وفعلا عندما تتكرر الأعمال الإرهابية في نيجريا وعندما تضرب الطائرات الأمريكية بدون طيار لتخلف العشرات من الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال في أفغانستان وباكستان والعراق...وعندما ترتكب طائرات ف 16 الأمريكية المجازر ضد الأطفال والنساء في غزة على يد الصهاينة المجرمين، أليس كل ذلك من أبشع أنواع الإرهاب ؟، ولماذا لا يتظاهرون عندما تعدم داعش أو القاعدة العشرات من الضحايا في سوريا والعراق، لماذا لا نرى اهتماما من فرنسا ومن الدول الغربية بكل ذلك؟ أم أن دماء العرب والمسلمين والأفارقة هي دماء رخيصة بينما دماء الغربيين والصهاينة غالية وتستحق أن يخرج العالم كله للتنديد عندما يسقط مثلا أفراد في فرنسا بفعل هجمات لم تفعل دولتهم أي شيء لمنع أسبابها. إنه نفس الخطأ يكرره الغرب دائما ويبدو أنه لا يتعلم من الدروس إلا متأخرا، هذا إن تعلم ، بل إنه على الأرجح سيستمر في سياساته المعادية للشعوب العربية والإسلامية وسيعمد إلى مزيد من مضايقة الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش في دوله و هي التصرفات التي لن تلد إلا مزيدا من كراهيته وعداءه ونشر التطرف والتنظيمات المعادية له على مستوى العالم على حد وصف إبير فدرين وزير الخارجية الفرنسية الأسبق (وشهد شاهد من أهلها) .
بل إن عزم صحيفة charlie hebdo البغيضة إلى المسلمين على إصدار عدد جديد يتضمن رسومها المسيئة سيكون بالنسبة للكثير منهم بمثابة مباركة فرنسا الدولة لاستهداف هذه الصحيفة لمقدساتهم وهو ما سيثير الكثير من الحقد والكراهية ضدها لأن المسلم الحقيقي يفضل الاعتداء على حياته بدل التطاول على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهي مسألة للأسف لا يفهمها الغرب أو لا يريد الاعتراف بوجودها.
وإذا صدر العدد المرتقب للصحيفة وكان يتضمن الرسوم المسيئة فإن مسيرة باريس ستتحول في نظر معظم المسلمين إلى دعوة للنيل من مقدساتهم وهو ما سيؤجج غضب الكثير منهم وقد يدفع ببعض المتهورين منهم إلى المزيد من التطرف ومعاداة الغرب.
إن من يرفض الإرهاب حقا يجب أن يرفضه في جميع الدول وفي جميع الأوقات وبغض النظر عن الأسباب والمبررات، وهذا هو ما علينا نحن المسلمين التقيد به حتى مع عداء الغرب لنا ووقوفه إلى جانب أعدائنا ودعمه لهم بكل الوسائل و منحه الحرية لوسائل إعلامه وكتابه للتهجم على مقدساتنا بحجة حرية التعبير في الوقت الذي يمنع فيه أي شخص حتى من مجرد إنكار المحرقة المزعومة لليهود، أما أن نفرق بين الإرهاب ضد المسلمين والإرهاب ضد الغربيين وبين ضحايا الإرهاب المسلمين وضحاياه من الدول الغربية فذلك عين النفاق وازدواجية المعايير التي دأب الغرب على انتهاجها.
إنه عالم يسوده النفاق وازدواجية المعايير وتحكم الأقوياء تماما كما لو كانوا في غابة.
إن ديننا وقيمنا لا يسمحان لنا بالاعتداء على الآخرين، لكن لا ينبغي لنا أن نبخس دماء أباءنا الذين يسقطون بفعل الإرهاب والذين كان آخرهم تسعة لبنانيين بالأمس في طرابلس و نتباكى في نفس الوقت على الذين يسقطون في فرنسا ، فإذا كان الغرب يكيل بمكيالين فينبغي أن نتركه يفعل ذلك لوحده وأن لا ننضم إليه ولا نناصره في مسيراته التي ترفع الشعارات والرسوم المسيئة لنبينا ومقدساتنا وبدل ذلك فقد كان حري ببعض المسئولين العرب الذين شاركوا في مسيرة باريس أن يتوجهوا إلى لبنان للتعزية والتعبير عن رفض الإرهاب ضد أبناءه، أم أن فرنسا هي التي تستحق ذلك؟ إنه منطق لا يستقيم وازدواجية ممقوتة يجب أن لا ننخدع بها تحت أي ظرف.