لقد أثار تصريح الحكومة تزامنا مع الحملة الرئاسية أن نسبة نمو البلاد و صلت إلى 6.7% في 2013 جدلا بين مشكك و مؤكد في الأيام الأخيرة.
وبعد أن و ضعت الحملة أوزارها، قد تساهم الأفكار المعروضة في هذه الورقة المتواضعة في إنارة رأي من يهتم بهذا الأمر. و رغم طبيعة الموضوع، فلن أغمر القارئ بالأرقام و التفاصيل الفنية تفاديا للملل.
في البداية، لُنُتعرف بصفة سريعة و مبسطة على نسبة النمو. في الاصطلاح الاقتصادي، تعبر نسبة النمو عن النسبة التي ازداد بها الإنتاج و الثروة في البلد في سنة مقارنة مع السنة التي قبلها. فمثلا، إذا كان مجموع الإنتاج قد بلغ 100 في 2012 و قدر ب106.7 في 2013 فتصبح نسبة النمو 6.7%. و بطبيعة الحال، إن أي نمو يحققه البلد تشكر عليه الحكومة لكن بشرط أن ينعكس ذالك النمو بصفة ملموسة على المستوى المعيشي للمواطنين. فليس كل نمو ذا أثر إيجابي تلقائيا على التنمية. فلنفترض مثلا أن مواطنا اكتشف معدنا من الذهب و تمكن من استغلاله بصفة سرية، يحسب أنتاجه من هذا المعدن مصدر نمو و لكن الاستفادة من هذا النمو تبقى محصورة على هذا المواطن المحظوظ و في أحسن الأحوال على محيطه المباشر. كما أن نمو اليوم قد يكون على حساب نمو الغد. فاالبيرو(دولة في جنوب أمريكا) مثلا حققت نموا معتبرا في السبعينيات من القرن الماضي من خلال استغلال ثروتها السمكية الهائلة إلا أن الصيد المفرط أدى إلى نفاد تلك الثروة و عرف البلد أزمة اقتصادية خانقة لعدة سنوات. كما أن النمو الحاصل من اقتصاد ريعي يعتمد أساسا على تصدير المعادن الخام و الأسماك، وليس نموا متجذرا في نسيج اقتصادي متين، يعتمد على قطاع خاص نشط، يبقى عرضة في أي وقت لتذبذب الأسواق الدولية. فلنتصور أن يتراجع سعر الحديد، لا قدر الله، لسبب ما (تراجع النمو في الصين و غيرها من المستوردين الكبار من هذه المادة، اكتشاف احتياطات جديدة ذات تكلفة استخراج منخفضة..) فسينعكس هذا التراجع تلقائيا على البلد بصفة سلبية. و قد شوهد ذلك في السنة الماضية عند تسريح المئات من العمال من شركة تازيازت و شركة النحاس بسبب تراجع سعر الذهب في الأسواق الدولية.
و يعتبر عدد كبير من الاقتصاديين و الهيئات التنموية مؤشر نسبة النمو عنصرا هاما في تقييم الحالة الاقتصادية في بلد ما، إلا أنه غير كاف لتحديد مستواه التنموي. و لهذا الغرض، استحدث برنامج الأمم المتحدة للتنمية مؤشرا مركبا يسمى بمؤشر التنمية البشرية الذي يضيف إلى مؤشر نسبة النمو مؤشرات أخرى تعكس صورة أصح لحالة البلدان و ساكنتها : نسبة الولوج إلى الخدمات الأساسية (الماء، التغذية، الصحة، التعليم..) نسبة البطالة، متوسط العمر المتوقع و حتى الحكامة الرشيدة و مستوى التمتع بالحريات. و وفق هذا المؤشر، قد يكون دخل الفرد و نسبة النمو مرتفعين في بلد و يكون ترتيبه أدنى بدرجات من بلد يكون فيه هذان المؤشران متدنيين. و قد وقعت موريتانيا في آخر ترتيب حسب هذا المؤشر في المرتبة ال 155 من 184 دولة.
و مهما يكن من أمر، فإن نسبة النمو المصرح بها من قبل الحكومة (6.7%)، و رغم أنه رقم إيجابي، فإن تأثيره محدود على مستوى الفقر حيث يعتبر الخبراء في البنك الدولي أن موريتانيا تحتاج إلى تحقيق نسبة نمو لا تقل عن 7% سنويا على عشر سنوات متتالية لتحقيق تراجع حقيقي في مستوى الفقر. وقد يحق التشكيك في نسبة النمو التي تدعي الحكومة أنها تحققت، لأنها ناتجة عن تقديرات و إسقاطات في مختلف القطاعات يمكن الطعن فيها من الناحية العلمية. فمثلا تقدر نسبة النمو في قطاع الثروة الحيوانية على أساس جودة موسم الأمطار و على تقدير المساحات المزروعة في قطاع الزراعة (و قد تستخدم صور الأقمار الإصطناعية في هذا المجال)، إلا أن هذه التقديرات لا تعتمد على مسوح إحصائية علمية لمعرفة أدق لعدد القطعان أو للإنتاجية الفعلية في قطاع الزراعة. أضف إلى ذالك أن جل الشركات و الأعمال في البلد غير مصنفة و يصعب الحصول على معلومات دقيقة حولها و حتى تلك التي يجب أن تكون "مصنفة" كشريكات الدولة ينقصها التصنيف بدليل أنها لا تنشر بياناتها المالية (إ لا من رحم ربك) كما يفرضه مبدأ الشفافية على هذه المؤسسات العمومية المملوكة من قبل الشعب، و يبدو أن العادة الحميدة المتعلقة بنشر المعلومات المالية ما زالت صعبة المنال في هذا البلد رغم وجود قانون يفرض الشفافية. كما أن الهيئة العمومية المتخصصة و التي كان من الواجب أن تكون هي المرجعية في هذا الميدان، المكتب الوطني للإحصاء، في حالة مالية مزرية منذ سنوات، وصلت إلى العجز عن دفع أجور موظفيها في بعض الأوقات، و يكفى النظر إلى واجهة مقرها المتهالك لمعرفة ما وصلت إليه من إهمال.
و قد استنجدت الحكومة لدعم موقفها بتزكية صندوق النقد الدولي (و يستحسن اختصار اسمه ب "صندوق النقد" و ليس ب "الصندوق الدولي"). و لا شك أن هذه المؤسسة ذات مصداقية دوليا بالكفاءات العالية التي تحتضنها، إلا أنها تبقى مؤسسة ليست بعيدة عن السياسة، رغم أنها تدعي العكس، بدليل بسيط هو أن مجلس إدارتها، وهو الهيئة صاحبة القرار، تهيمن عليه الدول الغربية و حلفاؤها الكثيرون. فإذا كانت هذه الكتلة راضية عن حكومة تخدم مآربها، كمحاربة الإرهاب و مكافحة الهجرة السرية مثلا، فَيُنظر بعين الرضا إلى "أوراقها" و يُغضٌّ الطرف عن تجاوزاتها حتى إذا انحرفت عن السياسات و الإصلاحات الرامية إلى ترسيخ ليبرالية الاقتصاد و ترقية القطاع الخاص التي يعتمدها صندوق النقد، الانحراف الذي تمثل في إنشاء شركات عمومية إفلاسها حتمي (كشريكتي النقل البري و الجوي و غيرهما)، و في تعمّد الدولة على منافسة المقاولات الخصوصية في مجال الأشغال العامة. و في الخلاصة، فإنه لا عبرة بنسبة النمو، فما يهم الناس هو التحسن الملموس في ظروفهم المعيشية و توفير ظروف عيش كريم لهم من ماء و قوت و سكن و كهرباء و صحة و تعليم و تشغيل و فرص متساوية..