دعا مصرف ليبيا المركزي أمس الأول إلى تطبيق إجراءات تقشفية خشية تفاقم العجز الحاد في موازنة 2015، معلنا أن نسبة العجز في موازنة 2014 التي بلغت قيمتها حوإلى 42 مليار دولار ناهزت 55%.
وحذر المصرف في بيان من أن البلاد ستشهد عجزا حادا في موازنة العام الحالي ما لم يتم وبشكل عاجل اتخاذ اجراءات فورية لترشيد الانفاق.
وقال المصرف في بيانه ان ليبيا شهدت عجزا حادا في موازنة 2014 ناهز 55%، وذلك بسبب تدني العوائد النفطية الناجم عن تراجع اسعار الذهب الأسود عالميا وإغلاق موانئ التصدير لاشهر طويلة.
وطالب المصرف بـ»اتخاذ اجراءات فورية وبشكل عاجل لترشيد الإنفاق مهما كانت صعبة ومؤلمة، لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية للمواطن والوصول بالوطن إلى بر الأمان».
وأضاف أن اجمالي الايرادات المحققة طيلة العام الماضي بلغ 15.5 مليار دولار فقط، في حين بلغ اجمالي النفقات في الفترة نفسها 34.1 مليار دولار اي ان العجز يساوي 18.6 مليار، أي حوإلى 55%.
وحذر المصرف من «تداعيات وانعكاسات سلبية مباشرة على المالية العامة واحتياطيات الدولة من النقد الاجنبي»، معترفا بذلك بشكل غير مباشر بأن البلاد تواصل الإنفاق من احتياطاتها من العملات الصعبة لتعويض النقص في العوائد النفطية.
ويشكل النفط في ليبيا مصدر 96% من إيرادات الحكومة. وقد تدهور إنتاجه هذا العام بسبب أزمات عدة شهدتها موانئ التصدير آخرها احتراق الخزانات في مرفأ السدرة فيما يعرف بمنطقة «الهلال النفطي» الشهر الماضي.
وهبط اجمالي الإنتاجي النفطي إلى 350 الف برميل يوميا، مقابل 1.5 مليون برميل يوميا قبل اندلاع الثورة، التي اطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في 2011.
واشار المصرف المركزي في بيانه إلى ان التراجع الحاد في اسعار النفط العالمية ساهم في تفاقم الازمة.
ودعا المصرف السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى اتخاذ سلسلة إجراءات «للتخفيف من حدة الأزمة وتداعياتها»، بينها «محاربة الفساد» و»إعادة النظر بسياسة الدعم بكافة انواعه»، وتحسين الجباية الجمركية، والتقليل من الانفاق الاستهلاكي، إضافة إلى تقنين سياسة العلاج في الخارج.
كما اقترح البنك المركزي خفض البعثات الدبلوماسية للبلاد في الخارج وتعليق المنح الدراسية الخارجية وبعض العلاوات الحكومية.
وتواجه ليبيا، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك»، صعوبات في ظل الفوضى التي تشهدها، والشلل الذي أصاب ماليتها العامة، مع تقاتل فصائل مسلحة متحالفة مع حكومتين متنافستين للسيطرة على البلاد بعد نحو أربع سنوات من الإطاحة بمعمر القذافي.
واضطر عبد الله الثني، رئيس الوزراء في الحكومة المعترف بها دوليا، للعمل مع البرلمان المنتخب في المنطقة الشرقية من البلاد منذ أن سيطرت جماعة تعرف باسم «فجر ليبيا» على طرابلس عقب معركة استمرت شهرا في أغسطس/آب وشكلت حكومة وبرلمانا منافسين.
وانخفض إنتاج النفط الليبي إلى مستوى متدن للغاية مع امتداد القتال إلى حقول نفطية وموانئ رئيسية، ما أدى إلى جفاف المورد الوحيد للموازنة.
واقترح البنك كذلك تعليق إيفاد البعثات الدراسية إلى الخارج بالإضافة إلى علاوة الأبناء والعائلة مع إعادة النظر في آلية العلاج بالخارج التي تمولها الدولة. وجدد البنك مطالب سابقة مثل إعادة النظر في تكاليف رواتب العاملين بالقطاع العام والدعم الحكومي للغذاء.
ولفت المصرف إلى انه في العام الماضي بلغت النفقات على الرواتب 17.1 مليار دولار في حين ان سياسة الدعم (خبز، محروقات…) خلال الفترة نفسها كلفت الخزينة حوإلى 10.7 مليار دولار.
ومعظم الليبيون البالغون مدرجون على قوائم الأجور الحكومية. ويتمتع المواطنون في البلد الذي يقطنه ستة ملايين نسمة بأسعار منخفضة للخبز وكثير من المواد الغذائية، وكذلك تذاكر الطيران والبنزين، وهو إرث من عهد القذافي يهدف إلى ضمان الولاء له ولم يجرؤ الحكام الجدد للبلاد على المساس به.
من جهة ثانية أكد البنك المركزي انه «انطلاقا من واجبه واستشعاره للمخاطر المحدقة سيقوم باتخاذ إجراءات تحفظية مؤقتة للحد من استنزاف ارضدتنا من النقد الاجنبي حتى عودة الامور إلى طبيعتها»، من دون ان يوضح ماهية هذه الإجراءات.
وتشير آخر تقديرات البنك إلى أن احتياطي النقد الأجنبي بلغ 109 مليارات دولار في نهاية يونيو/حزيران.
ويحاول البنك أن ينأى بنفسه عن الصراع الدائر في البلاد بتجميده الإنفاق ماعدا الرواتب وتكلفة الدعم الحكومي لكن كلا من الحكومتين المتنافستين عينت محافظا تابعا لها للبنك المركزي وهو ما أثار تساؤلات عمن يسيطر على إيرادات النفط.
وكان البنك المركزي اعلن انه، وإزاء الفوضى السياسية والأمنية المستفحلة في البلاد مع وجود حكومتين وبرلمانين يتنازعان السلطة، انه سوف يحافظ على «حياده» من خلال الإكتفاء بدفع الرواتب ونفقات الدعم الحكومي للمواد الاستهلاكية الأساسية.
وكانت الحكومة الليبية المؤقتة، المعترف بها من الأسرة الدولية، أذنت مطلع الشهر الجاري لوزارة المالية والتخطيط بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة على أساس اعتمادات السنة المالية 2014.
وقالت إنه سينتهي العمل بهذا القرار بصدور قانون اعتماد الميزانية العامة للعام الحالي من قبل البرلمان.