نالت الناقدة الأردنية رزان ابراهيم درجة الدكتوراه في نقد الأدب الحديث من الجامعة الأردنية عام 2001، وتعمل أستاذة للنقد الأدبي الحديث في جامعة «البتراء». ألّفت ابراهيم مجموعة من الكتب النقدية منها: «خطاب النهضة والتقدم في الرواية العربية المعاصرة» الذي صدر عام 2002, و»الاستقبالية العربية للحداثة وما بعدها- 2004». في العام 2012 أصدرت كتابين نقديين هما «الرواية التاريخية بين الحوارية والمونولوجية», و»شعرية الفقد- جدل الحياة والموت في شعر الخنساء», بالإضافة إلى نشر المقالات والأبحاث في الملاحق الثقافية والمجلات العربية.
التقت «القدس العربي» رزان إبراهيم, وكان هذا الحديث حول تجربتها وآرائها في عدد من القضايا الأدبية والثقافية الراهنة:
○ تعدّدت مناهج النقد واتجاهاته. من وجهة نظركم، ما موقف الناقد تجاه هذه التعددية؟ وما المنهج الأمثل لدراسة النصوص الأدبية وتناولها؟ كيف ترين السبيل لاختيار المنهج النقدي المناسب؟ وما مفهومك للنص النقدي؟
• بالنسبة لي, إنّ المنهج الذي أتمثله هو منهج ثقافي شمولي, ولهذا مُبرّراته من حيث ربط النص الأدبي بوقائع سياسية واجتماعية يعيشها البشر في مجتمعاتهم. وعليه فأنا غير متحمسة لمناهج نصيّة بحتة يتبناها أصحاب ما عرفناه باسم نقد جديد ينظرون في النص الأدبي وفقاً لقيمة أدبية تتوقف على جمال النص وحسب, مستبعدين عوامل مختلفة لها دورها الأكيد في صناعة النص. لكنني أختار نقداً كالذي ذكرت بسبب ما يتيحه من توظيف دقيق لمفاهيم قدمتها المدارس الفلسفية والاجتماعية والنفسية والسياسية وحتى الجمالية. وبالتالي تجدني منحازة إلى صيغة منهجية متوازنة تستفيد من اتجاهات النقد الجديد ولا تتجاهل سياق الخطاب.
○ في المناهج النقدية الحديثة كيف تنظرين إلى شخصية البطل في النص؟ هل هي اللغة، أم الأسلوب، أم البيئة؟
• بعض النقاد يميلون إلى بطل يتبدى شخصية حقيقية تُنسي القارئ أنها مصنوعة من كلمات وحروف, وهو ما شاع في الرواية الواقعية وروايات الواقعية الاشتراكية. أمّا البطل في ذهني فلا أحكم عليه وفقاً لمدرسة أدبية لها إملاءاتها. ما يهمني, هو تأمّل ما يمثله العالم لهذا البطل, وما تمثله الشخصية بالنسبة إلى نفسها.
أُعنى بوعي البطل وإدراكه لذاته وبكلمته حول العالم وحول نفسه, ومن ثم متابعة انسجام أحداث الرواية مع الطبيعة النفسية والمزاجية للبطل. وكثيراً ما أبحث عن شخصية تنسجم ورؤية باختين هذا لا يلغي قراءة تتقاطع مع توجّه شكلاني يرى في الشخصية مظهراً لسانياً تتفكك معه إلى دال ومدلول, لتصبح الشخصية علامة لغوية أو مورفيماً يمتلئ على نحو تدريجي كلما تقدمنا في قراءة النص.
○ النقد الحديث ماذا يريد من النص؟ إبداعه أم مُبدعه؟
• في هذا الإطار, يشيع لدى بعضهم, أنّه ولكي يكون ناقداً حديثاً عليه أن يُدير ظهره للمجتمع, وينشغل بالكيف دون المعنى. مُتجاوزاً في هذا كله حاجة أخلاقية وشعورية ونفسية كانت هي الأساس في الأدب.
ممّا يُعيدني إلى حوارية لـ«تودوروف» يُذكرنا فيها بهذا الشيء الرائع (الأدب), ويُحذّر من خطورة تعالٍ نجده في كتابات نقدية يظهر فيها الكتاب مشلولين أو مكبلين بسبب رغبتهم في البحث عن التوافق والانسجامات مع النظريات التي يظنونها حداثية معاصرة.
○ كأكاديمية وناقدة، ما هو الدور المطلوب من المثقف العربيّ في اللحظة الراهنة؟
• رداً على السؤال يحضرني أولئك الذين يعملون في حقل التعليم والثقافة والإعلام في بلدنا. وأسأل نفسي: إلى أي حد تمكّن هؤلاء من تسخير الثقافة في عملية التوجيه الفكري والسياسي؟
أذكر هنا أنّ لا سبيل إلى تقديم إجابة بسيطة كاملة. لكن لا يسعني أمام سلسلة من انهيارات متتالية لم ينج منها أحد, إلاّ التشديد على حاجة ماسة لمراجعة فكرية نقدية حثيثة للمرحلة الصعبة التي نعيشها. الأمر الذي يمكن للفنون أن تدعمه, بما تمتلك من مقومات تجعلها قادرة على مواجهة أشكال وأفعال سياسية مغرضة ومتنوعة. لعلّنا نصبح قادرين على طرح بدائل مُمكنة تتجاوز المصائب التي وقعنا فيها. فإمّا أن تثبت الجبهة الثقافية قدرتها على مواجهة نكباتنا المتتالية, أو أن تُعلن على الملأ عجزها وتسقط.
○ ما رأيك في مقولة إنّ المستقبل هو للرواية وليس للشعر؟
• لذلك تراني أعطي أولوية لنقد السرد, هو خيار يُحركه إحساس عميق بأنّ الظاهرة الأدبية تبقى مرهونة تقدماً أو تأخراً بحركة الزمان. وفي ظني أنّ الرواية – وليعذرني الشعراء في ما أقول- ضمن ما تمتلكه من بنى وإمكانيات هي الأقدر على محاكاة ظروف الزمن الراهن والتعبير عنه، بل أصبح من المؤكد أنها الأكثر تماساً مع واقع اجتماعي سمته التشابك والتعقيد. علماً بأنّ لغة شعرية يمتلك الروائي ناصيتها باتت مقبولة في زمننا هذا, وتدخل بلا استئذان في إطار ما هو معروف وشائع عن تداخل الأجناس الأدبية.
في هذا الإطار لا بد من التذكير بأنّ أدباً ما لا يمكن أن تقوم له قائمة بعيداً عن عملية تواصلية تربط المبدع بالقارئ. مشكلة الشعر في هذا الجانب أنه فقد كثيراً من قيمته التبادليّة, والسبب يعود إلى ما يمكن احتسابه قيمة ذاتية لهذا الجنس الأدبي، تقف بالمرصاد لثقافة جماعية ينحاز إليها كثيرون في مجتمعات اليوم. وهنا أقول: إن ذهاباً للمعنى مرده تراكيب موغلة في الغرابة على أذن القارئ أودى بجماهيرية جنس أدبي عُدَّ في يوم من الأيام ولفترات طويلة ديواناً للعرب.
○ ما هي مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي؟ وكيف ترىن واقع الحال بالنسبة لأدب الأطفال في الأردن؟
• على المبدع تقع مسؤولية تقديم أدب مُضاد ينتصر للإنسانية قبل أي شيء آخر، وإلاّ فإنّ شرف نقل الراية إلى جيل قادم سيكتب له بالخسارة كما يقول عبد الرحمن منيف، بل إن تعثر توصيل الأمانة «قد يسقط كيان هذه الأمة, ويجعلها تواجه مأزقاً خطيراً قد تنجو منه وقد لا تنجو».
أؤمن بإمكانية أن يغدو الأدب ميداناً للنضال يُعين على إعادة تشكيل التاريخ. وأذكر على سبيل المثال أدب المقاومة الفلسطينية. ولا يفوتني استحضار المفكر «إدوارد سعيد» حين أظهر ما يمكن أن تحمله بعض السرديات الكبرى من عوامل تحرّر وتنوير، عبر تجنيد الشعوب في العالم المستَعمَر وتحفيزها على الانتفاض.
أضيف هنا إيماناً عميقاً لدي بأهمية أدب الطفل في العالم ككل, وفي العالم العربي على نحو خاص. حيث كتبت أكثر من دراسة بهذا الشأن.
○ بماذا تختم الدكتورة هذا الحوار؟
• أكتب في إطار نقد يسعى في كثير من الأحيان إلى تعريف جمهور القرّاء بكل ما يستحق أن يُقرأ. تنتابني رغبة في لفت النظر إلى مواطن الفن والجمال التي قد يعجز القارئ العادي عن استنباطها. أبحث عن الغائب والمسكوت في ما أقرأ. عن أفكار ومفاهيم غير معلنة للكاتب, فأنا معنية بما يقوله السرد وبما لا يقوله, فلكل معناه الخاص. ويشغلني كثيراً دور إيجابي يمكن أن أقوم به أنا وغيري ممن يشرف على تعليم الأجيال القادمة, وأرى ضرورة أن يمتلك الأستاذ الجامعي وعياً معرفياً يؤهله للقضاء على الحواجز الصارمة بين الاختصاصات الأكاديمية.
أحاول أن أنقل لطلبتي بأمانة مفهوم الانتماء بكل ما يحمله هذا المفهوم من دلالات سياسية واجتماعية خطيرة, ليكون العلم وسيلة أساسية من وسائل تحصين الذات وتوكيدها لصالح الأمة وللجماعة والانتماء.
طموحي أن تكون كتابتي في صميم الأشياء التي تجري اليوم. أحلم بتجاوز ركود ثقافي بات سائداً في أوطاننا, وأتطلع بشغف إلى مساءلة كل من يقف حجر عثرة أمام تطوير وعي جديد نتجاوز به واقعنا الأليم
نضال القاسم