اعتبرت أسواق الطاقة قرار العاهل السعودي الجديد إبقاء وزير النفط علي النعيمي في منصبه إشارة إلى أن المملكة – أكبر مصدر للنفط في العالم – لن تتخلى عن سياستها الرافضة لخفض الإنتاج مع دفاعها القوي عن حصتها بالسوق.
ونجح النعيمي في نوفمبر/تشرين الثاني في إقناع منظمة «أوبك» بهذه السياسة بصرف النظر عن مدى الهبوط الذي قد تصل اليه أسعار النفط. وكان عازما على عدم التخلي عن حصة المملكة في السوق لصالح منتجين من خارج المنظمة، مثل روسيا ومنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وعندما أجرى الملك سلمان تعديلا وزاريا يوم الخميس الماضي بعد أيام من توليه الحكم لا بد وأنه واجه صعوبة في العثور على شخصية أكثر تمرسا لتوجيه دفة قطاع النفط السعودي خلال هذه الأوقات المضطربة.
ورغم كل شيء فقد شهد النعيمي (79 عاما) ما لا يقل عن ثلاث موجات انهيار للأسعار خلال عمله وزيرا للنفط، وهو المنصب الذي يشغله منذ نحو عقدين من الزمن.
وقال ياسر الجندي، من «مادلي غلوبال ادفايزرز» الإستشارية «لا شيء يفوق الخبرة وعلي النعيمي لديه منها الكثير. لقد أثبت جدارته في السبعينات والثمانينات في أرامكو، ومر حتى الآن بثلاث دورات لأسعار الخام .. في مطلع الثمانينات وأواخر التسعينات والدورة الحالية.»
وقد تكون تلك الخبرة – علاوة على الاحترام الذي يتمتع به عالميا- أمرا حاسما في إقناع أعضاء «أوبك» الذين لا يملكون احتياطيات كبيرة مثل تلك التي تنعم بها السعودية بالثبات في الأزمة الحالية.
وقال النعيمي لنشرة (ميدل ايست ايكونوميك سِرفي /ميس) في ديسمبر/كانون الأول «هل من المعقول أن يخفص منتج للنفط ذو كفاءة عالية الإنتاج، ويستمر المنتج ذو الكفاءة الرديئة في الإنتاج؟ هذا منطق غير سليم.» وأضاف قائلا «لو خفضنا (إنتاج النفط) .. ماذا سيحدث لحصتنا في السوق؟ سيرتفع السعر وسيأخذ الروس والبرازيليون ومنتجو النفط الصخري الأمريكي حصتي.»
لكن منذ قرار «أوبك» في نوفمبر عدم خفض الإنتاج تساءل البعض في تعليقات خاصة عما إذا كان هذا هو النهج السليم.
وخسرت أسعار النفط – التي تراجعت بأكثر من النصف منذ يونيو/حزيران- ما يزيد عن 20 دولارا منذ اجتماع نوفمبر، مسجلة مستويات لم يتوقعها حتى المنتجون الخليجيون الرئيسيون في «أوبك» الذين قادوا القرار، على الرغم من دعوة منتجين آخرين لخفض الإنتاج.
وخارج «أوبك» قال وزير النفط العماني إن القرار يسبب تقلبات في السوق دون أن يفيد المنتجين.
ويراقب المستثمرون في قطاع الطاقة عن كثب بحثا عن أي مؤشرات إلى استمرار – أو تغير – السياسة النفطية للسعودية التي ردت بشكل مختلف على انهيار الأسعار في السابق.
كانت المملكة قلصت إنتاجها من أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا في عام 1980 إلى أقل من 2.5 مليون برميل في عام 1985، في محاولة فاشلة لوقف انهيار سعر النفط الذي أطاح في النهاية بوزير البترول أحمد زكي يماني من منصبه.
ونجا النعيمي بالفعل من أكثر من انهيار لسعر الخام بالتصرف بحسم.
ووافقت «أوبك» في أواخر التسعينات – تحت قيادته بحكم الأمر الواقع – على زيادة الامدادات مع دخول آسيا في انهيار اقتصادي.
ونُسب إليه الفضل بعد ذلك في تنسيق عملية إنقاذ من انهيار لاحق لسعر الخام باجتذاب منتجين من خارج «أوبك» إلى الطاولة من أجل خفض الإنتاج ثم حشد دعمهم مجددا في أواخر عام 2001.
وفي عام 2008 عندما هوت أسعار النفط مقتربة من 30 دولارا، قاد النعيمي «أوبك» لتنفيذ أكبر خفض للإمدادات في تاريخها على الإطلاق.
وفي مواجهة أحدث أزمة – ورغم اختلاف التكتيكات – لا يتوقع محللون أن يحيد النعيمي عن السياسة التي التزم بها هو وبلاده.
وتشمل المبادئ الأساسية للسياسة النفطية السعودية الحفاظ على طاقة إنتاج فائضة للمساعدة في استقرار أسعار الخام، وعدم التدخل في السوق لأسباب سياسية، وهي مبادئ يحددها كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في المملكة.
ورغم ذلك اتيح للنعيمي مجال واسع لتفسير وتطبيق السياسة بالشكل الذي يعتقد أنه الأمثل.
ورقي النعيمي إلى أعلى منصب نفطي في المملكة في عام 1995، بعد أن كان قد بدأ العمل في أرامكو كساع في مكتب في الثانية عشر من عمره، وترقى إلى أن أصبح الرئيس التنفيذي لها.
والنعيمي هو أحد أكبر المسؤولين من خارج الأسرة الحاكمة في السعودية. وهو خبير نال الاحترام لمعرفته بالسوق وتجنبه السياسة حيث يقود «أوبك» على أسس اقتصادية.
ويقول اشخاص على معرفة بالنعيمي إنه يفكر في التقاعد منذ سنوات.
لكن أوليفر جاكوب، من «بتروماتريكس» للاستشارات يقول «إذا كان النعيمي سيرحل أعتقد أنه سيفضل الرحيل بعد عودة قدر من النظام إلى أوبك».