محاكمة الرؤساء الفاسدين .. تمرينات للديمقراطية

جمعة, 2014-07-04 17:56

انشغلت فرنسا، ومعها العالم، بداية هذا الأسبوع، بقضية اعتقال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي احتجز على ذمة التحقيق لمدة 24 ساعة بتهمة استغلال النفوذ. وقسم هذا الخبر الرأي العام الفرنسي إلى قسمين: قسم، هو الأكبر، اعتبر أن اعتقال رئيس فرنسي سابق، ومعاملته كمواطن عادي، هو انتصار لقيم الديمقراطية الفرنسية، التي ترفع المساواة كأحد شعارات جمهوريتها. وقسم من أنصار الرئيس السابق، لم يرَ في القضية سوى تصفية لحسابات سياسية استعمل فيها القضاء لتشويه سمعة الرئيس السابق والقضاء على طموحه السياسي.
لكن بالنسبة للمراقب البعيد عن الشأن الداخلي الفرنسي والاستقطابات السياسية الداخلية الفرنسية، ينظر إلى مثل هذه القضية كانتصار لدولة القانون، التي تعامل مواطنيها على نفس قدم المساواة. فقبل ساركوزي، خضع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك للتحقيق معه في ملفات قضائية. وقريبا من فرنسا وجهت محكمة إسبانية، هذا الشهر، اتهاما رسميا للأميرة كريستينا دي بوربون، شقيقة الملك فيليبي السادس، الذي نصب حديثا، في تحقيق فساد تمهيدا لبدء محاكمتها. ودائما، وفي القارة العجوز نفسها، عاقبت محكمة إيطالية، في أبريل الماضي، رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني، بأداء خدمة عامة لمدة عام كامل، بعد إدانته بالتهرب الضريبي.
هذه التمرينات الديمقراطية بمثابة عمليات ’تخسيس’ تقوم بها الأنظمة الديمقراطية لإعادة النظر في وزن السلطة المتضخمة، وإعادة التوازن بين السلطات الثلاث التي تٌكوِّن جسد الديمقراطية.
كان رئيس وزراء بريطانيا السابق، ونستون تشرشل، يقول إن ’الديمقراطية هي أسوأ أنواع الحكم إذا استثنينا كل أشكال الحكم الأخرى التي تم تجريبها من وقت لآخر’. ومازال هذا الاختراع البشري يؤكد لنا كل يوم فعاليته رغم مساوئه الكثيرة. فالديمقراطية هي باختصار شديد سيادة ’دولة القانون’ التي تربط بين المسؤولية والمحاسبة.
في العالم العربي تم اختزال الديمقراطية في صناديق الاقتراع، وهو ما أدى إلى استشراء الفساد عندما أٌطلقت يد السلطة بدون محاسبة، فكانت النتيجة التي تؤكدها القاعدة الفقهية العربية أن ’السلطة المطلقة مفسدة مطلقة’. وبالرغم من أن دولا عربية كثيرة شهدت محاكمة رؤسائها السابقين مثل العراق وتونس ومصر وموريتانيا، إلا أن كل هذه المحاكمات كانت سياسية، استعملت فيها السياسة واستغل فيها القضاء وضاعت فيها الديمقراطية. وهو ما جعل العالم العربي يعيش في زمن الدولة السياسية وهي النقيض السيئ لـ’دولة القانون’ التي ما زالت بعيدة.

أنباء أنفو