عاشت موريتانيا في السنوات الأخيرة على وقع أزمة سياسية امتدت عمرها لفترة طويلة، وتجلت مظاهر هذه الأزمة المستفحلة في غياب الثقة بشكل شبه مطلق بين السلطة وأبرز مكونات المعارضة الموريتانية، ما أدي لحالة من الانسداد السياسي.
ونتج عن هذه الحالة احتقان سياسي متزايد دفع ببعض أطراف المعارضة لمقاطعة عدة استحقاقات انتخابية، احتجاجا على غياب الضمانات اللازمة لتوفير أجواء مناسبة لخوض استحقاق انتخابي شفاف ونزيه.
لكن المفاجئ في الأمر هو إطلاق النظام الموريتاني قبل أيام لمبادرة سياسية من أجل حوار جامع وشامل لكافة النقاط الخلافية بين أبرز أقطاب العمل السياسي في البلاد، وفق مراسل الأناضول.
وطرح توقيت هذه المبادرة ونقاطها، التي من بينها نقطة تتعلق بتعديل السن القانونية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، مما يعني ضمنيا التلويح بتعديل الدستور، الكثير من اللغط الإعلامي والسياسي.
ويري أستاذ العلوم السياسية في جامعة نواكشوط، محمد عبد الله ولد الحسن، أن ثمة دوافع سياسية تُغذي مبادرة النظام في التوقيت الراهن، معتبرا أن النظام بات يستشعر حالة الانسداد السياسي التي شكلت أبرز تجليات المشهد السياسي منذ انقلاب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز على السلطة سنة 2008.
ويُلفت ولد الحسن، في تصريحات لمراسل “الأناضول”، أيضا إلي أنه ثمة شعور لدي النظام بـ”تآكل شعاراته خصوصا ما يتعلق منها بالحرب على الفساد والانحياز لشريحة الفقراء بالإضافة إلي تزايد منسوب القناعة لدي الرأي العام الوطني بعجز النظام عن حل المشاكل الجوهرية للمواطنين كارتفاع الأسعار ومعالجة مشكلة البطالة”، مما يجعل النظام بحاجة لحوار سياسي من أجل خلق تهدئة داخلية في بداية مأموريته الجديدة.
وفي سياق آخر، يري ولد الحسن أن المعارضة التي كانت ترفع شعار المطالبة بالرحيل “ربما تكون هذه المرة مضطرة لتجريب الحوار كخيار، وذلك من أجل الحصول على مكاسب انتخابية أو حتي المشاركة في السلطة أن أتيح لها هذا الأمر”، حسب مراسل الأناضول.
ويُفسر احتمالات قبول المعارضة للحوار بأنها ربما تكون قد أدركت أن الرهان على الشارع لم يعد مجديا للتأثير على النظام وأن الحوار قد يحقق أشياء لم تأتيها بها المسيرات والمهرجانات ووسائل الضغط الأخرى، حسب قوله.
لكن جيبي صامبا، وهو رئيس تحرير جريدة “نواكشوط آفنير” الناطقة باللغة الفرنسية، يعتبر أن غياب الثقة بين النظام ومعارضيه يعتبر أبرز معوق أمام نجاح الحوار السياسي المرتقب.
ويُشير، في تصريحات لمراسل “الأناضول”، إلى أن المعارضة “مُحقة” في طلب الكثير من الضمانات من أجل الدخول في حوار جدي، معتبرا أن النظام الحالي لم يف بالتزاماته تجاه المعارضة في مناسبات متعددة من أبرزها اتفاق داكار سنة 2009 والذي تم برعاية إقليمية ودولية ، والذي حث على تقاسم السلطة وعلى تشجيع الحوار الداخلي، حسب قوله.
ويعتبر “صامبا” أن أهم ضمانات لخلق أرضية مناسبة للحوار تكمن في اتخاذ سلسلة من الإجراءات المتبادلة لتخفيف الاحتقان السياسي بين الطرفين كوقف الملاحقات الأمنية للمعارضين وفتح وسائل الإعلام العمومية أمام القوي السياسية المعارضة، حسب قوله.
ويُفسر تردد أطراف بالمعارضة في الدخول في الحوار بطرح الحكومة لموضوع تعديل السن القانوني المنصوص عليه دستوريا ، و هو ما يعني محاولة من السلطة لتعديل الدستور وفق مقايضة سياسية قد تؤدي لتعديل موضوع الولاية الرئاسية لكي يتمكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية في يونيو/حزيران 2014 للترشح لولاية جديدة.
وتنص المادة 29 من الدستور الموريتاني على أن يؤدي رئيس الجمهورية اليمين على النحو التالي: أقسم بالله العلي العظيم ألا اتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادة 28 من هذا الدستور”، وتنص هذه المادة على أنه يمكن انتخاب إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة.
ورفض منتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الذي يضم قوي سياسية ومدنية معارضة، أن يكون المساس بالدستور الحالي من ضمن النقاط المرتقبة للحوار السياسي المزمع إطلاقه بين السلطة والمعارضة.
وأكدت وثيقة رد المنتدى على رسالة الحكومة، والتي حصل مراسل “الأناضول” على نسخة منها، على ضرورة البدء بحكومة توافقية كشرط أولي للدخول في أي حوار “جدي” بين الجانبين.
واستبعد المنتدى الدخول في حوار مع الحكومة يتناول قضية تعديل الدستور، وذلك تعليقا على إحدي النقاط التي تقدمت بها الحكومة والمتضمنة “تعديل السن القانوني المتعلق بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، والتي ينص الدستور على أنها محصورة بين 40 و75 سنة”.
وطالبت الوثيقة بوضع مؤسسات انتخابية ذات مصداقية، تضمن حياد الإدارة على مستوي التحضير بتعيين شخصيات تحظي بثقة الجميع على هذه المؤسسات.
وقالت الوثيقة إن من شروط الحوار أن يتم الإعلان رسميا من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية، بتحريم أي ممارسة للعبة السياسية على أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني، وإدلاء قادة المؤسسة العسكرية والأمنية بتصريح علني يؤكد الطبيعة الجمهورية للمؤسسة، والتزامهم بأن يكونوا على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين، وفق نص الوثيقة.
وكانت الحكومة الموريتانية قد تقدمت قبل أيام بوثيقة لأحزاب المعارضة من اجل عرض وجهة نظرها حول موضوع الحوار السياسي لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
وتضمنت الوثيقة التي تقدمت بها الحكومة كأرضية للنقاش 15 نقطة من أهمها: بناء الثقة بين السلطة والمعارضة وإعادة النظر في تشكيل المجلس وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية توافقية ومنع تدخل الجيش في الأنشطة السياسية ومواضيع محاربة الفساد والشفافية في تسيير المال العام.
وقاطعت أطياف واسعة من المعارضة الموريتانية الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو/حزيران 2014، احتجاجا على رفض السلطات الاستجابة لبعض الشروط المتعلقة بالإشراف السياسي عليها، وحياد الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة النظر في مهام وعمل الوكالة المسؤولة عن الوثائق المدنية، والمجلس الدستوري الذي يعد الحكم في قضايا الانتخابات.
وتعيش موريتانيا أزمة سياسية منذ أزيد من 4 سنوات نتيجة القطيعة الحاصلة بين السلطة والمعارضة
وكالة الأناضول