النظام التربوى الموريتاني واقع يستدعي تغييرا جوهريا

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
جمعة, 2015-02-13 17:35

. محمد ولد سيد احمد ولد ابرى 

 يعاني النظام التربوى الموريتاني منذ الاستقلال حالات من المد و الجزر، ترنح  خلالها بين إصلاحات متعددة  تتقاطع في مجملها في كونها عبارة عن مخططات يطبعها الارتجال في الغالب الأعم ، دون أن يترتب عنها الأثر الإيجابي المنتظر على  مخرجات التعليم. وقد درجت السلطات الوصية على التعليم على  تبني مخططات إصلاحية تربوية  والسير عليها ردحا من الزمن ثم العدول عنها بعد ذلك دون تشخيص مسبق لمكامن الضعف ،ووضع تصور جديد مبني على أسس علمية موضوعية. وعلاوة على ذلك فإن الطابع السياسي و الإيديولوجي للإصلاحات المتعاقبة من بين  الأسباب الرئيسية  التي أدت إلى  افتقارها للنجاعة المطلوبة وحالت دون وصولها إلى الاهداف المعقودة عليها سلفا.

وقد شهد النظام التربوي الوطني  منذ عقود إصلاحات عديدة نوجزها فيما يلى:

أولا:إصلاح 1959 الذي أضاف 4 ساعات أسبوعية من اللغة العربية إلى المستوى الأساسي وساعتين غير إلزاميتين للمستوى الإعدادي.

ثانيا: إصلاح 1967 و خصصت بموجبه السنة الأولى من التعليم  الابتدائي لتدريس اللغة العربية . وعلى الرغم من أن الاصلاح زاد الساعات المقررة للغة العربية بالنسبة للمستويات الأربعة الموالية "من السنة الثانية حتى الخامسة" ، فقد ظل إجراء مسابقة دخول السنة الأولى من الإعدادية يتم حصرا باللغة الفرنسية.

ثالثا: إصلاح 1973   تميز هذا الإصلاح عن سابقيه بكونه نحا نحو خيار الازدواجية بالنسبة للتعليم ، فبموجبه  ستصبح اللغة العربية هى اللغة الرسمية واللغة الفرنسية لغة العمل.وموازاة مع ذلك  أنشأت شعبة عربية يسمح لأصحابها بدخول المرحلة الإعدادية و إجراء الشهادة الإعدادية بهذه اللغة.

ثالثا: إصلاح  1979 وترتب عنه جعل   اللغة العربية لغة الدراسة بالنسبة لأغلبية مراحل التعليم مع الابقاء على الشعبة الفرنسية، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح النظام التعليمي الموريتاني يسير وفق  مسارين تعليميين متمايزين :أحدهما باللغة العربية   والآخر باللغة الفرنسية.                                                                   

 رابعا: اصلاح  1999 وهو يرمي  إلى توحيد النظام التربوي في شعبة واحدة مزدوجة، بعد ان كانت  العملية التربوية  تتم في شعبتين إحداهما تقدم الدروس بالعربية والثانية باللغة الفرنسية. ومن إيجابيات هذا الاصلاح  كونه  وضع  حدا لفصل مكونات الشعب الموريتاني. وعلاوة على هذا المنحى  التوحيدي، فقد استهدف الإصلاح تكوين جيل مزدوج.وبذا أصبحت اللغة العربية هي لغة التدريس في السنة الأولى الأساسية في حين صارت اللغة الفرنسية تدرس ابتداء من السنة الثانية .و بمقتضى هذا الإصلاح تقرر تدريس مادة الرياضيات باللغة الفرنسية  ابتداء من السنة الثالثة و تدريس العلوم الطبيعية بنفس اللغة بدءا من السنة الخامسة. كما تقرر وفق هذا الإصلاح تدريس التربية المدنية بوصفها مادة مستقلة ابتداء من السنة الأولى. ومن المستجدات المترتبة لهذا الإصلاح إضافة سنة دراسية  لمرحلة التعليم الثانوي ، فأصبح عندها السلك الإعدادي  يمتد على أربع سنوات بدلا من ثلاثة، وتقرر   تدريس الانجليزية ابتداء  من القسم الأول إعدادي.                                                         

 

 

  سنحاول في هذه المقالة الوقوف على أهم الأسباب والمعوقات التي حالت دون بلوغ  هذا الإصلاح الأخير للمرامي والأهداف المنشودة منه.إذ يكاد الإجماع ينعقد على أن المنظومة التربوية بلغت شأوا من الضعف والتهلهل لم يسبق لها مثيل. وظهر ذلك جليا في نتائج الدراسات الكيفية التي انجزتها خلية التقويم بالمعهد التربوي الوطني ( من سنة 1999 حتى 2014)  والتي تم بعضها  بالتعاون مع خبراء من معهد البحث في مجال التربية بفرنسا.  بالإضافة الى ما يستخلص من هذه الدراسات  التراجع الكبير في نسب النجاح فى الباكالوريا و الشهادة الاعدادية ومسابقة دخول السنة الاولى  و ارتفاع نسب التسرب المدرسي.

ومن الأمثلة على ذلك ما تظهره الجداول التالية من تدن صارخ لنسب النجاح في الامتحانات الوطنية خلال السنة المنصرمة 2013  -2014:وبالجملة فالمنظومة التربوية  الوطنية تعاني من العديد من الاختلالات والنواقص  نذكر من بينها:

      غياب  ميثاق وطني للتهذيب وعدم وجود مجلس أعلى للتربية و التكوين :وهو ما من شأنه أن يجعل النظام التربوي غير محصن من اجتهادات تعوزها الحصافة ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قيام  مجموعة من كوادر الوزارة بإدخال مقاربة الكفايات و تبنيها على نطاق واسع فى مناهج التعليم الأساسي و الإعدادي دون أي تجريب مسبق وفي غياب تام لتكوين للمؤطرين والمؤلفين ، وبذا ترك الباب مفتوحا لاجتهادات غير مؤسسة على أرضية علمية  يمكن التعويل عليها.

 فهذه المقاربة التي يعز أن يوجد في بلدنا من يتقنها حق الاتقان،قد سطرت لها البرامج وألفت لها الكتب في المراحل الابتدائية والإعدادية، والحال أن المدرسين  ظلوا إلى حد الساعة لا يحسنون استخدام المقاربة ، والأنكى من ذلك أنهم لا يجدون  من يعتمد عليه كمرجعية لحل المشاكل التي تعترض سبيلهم يوميا في  عملية التدريس.  فإذا كانت مقاربة الكفايات استوعبتها وخبرتها بالفعل قلة قليلة من أطر الوزارة فإن الاستفادة من هؤلاء غير متاحة للمدرسين الميدانيين العاملين في المؤسسات التعليمية الأساسية  والإعدادية .

 

إن توسع قاعدة التعليم و الحاجة المتزايدة للمعلمين وخصوصا المتفرنسين و التي أملتها البرامج الجديدة لإصلاح 1999 ، دفع بالوزارة خلال العقد الأخير إلى اكتتاب المدرسين من الشارع دون مراعاة للمؤهلات الدراسية للمطلوبة.

ففي المرحلة الأساسية يتم التعاقد مع المعلم الحامل للشهادة الاعدادية و في التعليم الثانوي يكتتب حملة الشهادات الجامعية (القانون، الاقتصاد،....) لتدريس الرياضيات، الفيزياء، العلوم..... .مع العلم أن المردود التربوي لتدريس هؤلاء المكتتبين ضئيل للغاية حسب عمليات التقويم التي قيم بها في هذا الصدد .

 

فالعملية برمتها لا تعدو كونها مهزلة يضيع فيها وقت التلميذ وتهدر جراءها أموال طائلة كان بالإمكان توظيفها بشكل معقلن.

ويجب التنويه إلى أنه وعلى الرغم من الحاجة المتزايدة سنويا للمدرسين ، فإن حقيقتين لا تخفيان على فنيي الوزارة:  أولاهما أنه منذ سنوات تمت إعارة عشرات المعلمين من ذوي الخبرة والتجربة لقطاع  التعليم الثانوي وأسندت لهؤلاء مهام إدارية مثل العمل في مؤسسات التعليم الثانوي كمراقبين ،ومكتبيين...الخ،  أما الحقيقة الثانية فتتمثل في كونه قد  تم الاستغناء عن عشرات الأساتذة الأكفاء في العلوم و الرياضيات و الفيزياء بدعوى أنهم معربون وأصبحوا  معطلين دون عمل ، فهم مجرد رقم في  قوائم في  الإدارات الجهوية و المركزية.

ومن السمات البارزة لما يعانيه التعليم من نواقص  غياب الرقابة على الطاقم التربوى فعلى مستوى المرحلة الأساسية فالأسباب مختلفة تتمثل في الأساس  في عدم التعويل على برمجة المتابعة على المستوى الجهوي، وعدم توجيه الموارد المادية الشحيحة إلى التأطير . أما بالنسبة للتعليم الثانوي  فالتأطير الفاعل يكاد يكون مستحيلا نظرا لتواجد جميع المفتشين حصريا في انواكشوط.

كما أن  غياب مبدأ المكافأة و العقوبة في التعيينات داخل هياكل الوزارة ترتب عنه تشجيع للتسيب و عدم الالتزام بالمقررات خصوصا في مؤسسات التعليم العمومي.

 

إن نظرة عابرة للخريطة المدرسية تبين أن هذه الأخيرة لا تستجيب لمعايير فنية مقبولة وهو ما ينعكس سلبا على استغلال الموارد البشرية والمادية.  ينضاف إلى ذلك وجود نسبة معتبرة من مدارس التعليم الأساسي في الريف تعمل وفق  نظام الأقسام المتعددة  المستويات 42 % . وهذه الأقسام مسندة لمعلمين لا يتقنون استخدام التقنيات الخاصة بهذه الوضعية التربوية الاستثنائية  وهو ما  ينعكس سلبيا على مكتسبات التلاميذ.

وأود قبل أن  انهي هذه الأسطر أن الفت الانتباه إلى  الفوضى الكبيرة التي يتردى  فيها التعليم الحر منذ إنشائه ، فبدلا أن يكون مكملا للتعليم العام أصبح عالة عليه، مستنزفا لمقدراته  من معلمين وأساتذة  دون رادع أو رقيب أو مرجعية قانونية  تحكم  تسييره و مناهجه.

 

    إن ضعف النظام التربوي الوطني كان له الأثر البالغ على ما نشهده اليوم من انهيار للمنظومة الاخلاقية وضعف للوازع الديني و غياب روح الوطنية لدى الموظفين في كل مفاصل الدولة ، ناهيك عن حضور خطاب التطرف الذي يهدد البلاد و العباد. فحري بنا إذا أن نأخذ العبرة من الدول الافريقية التي انهارت وشهدت حروبا أهلية  بعد ان شهدت ضعفا فى انظمتها التربوية(اتشاد-كود ديفوار- مالي – ليبيا.....).

 

 

    

 

 

   وأخيرا أود أن أوجه نداء إلى رئيس الجمهورية-الذي خص هذه السنة  2015 بكونها سنة التعليم- وكل أصحاب الضمائر الحية المخلصين للبلد  كل من موقعه إلى البحث الجاد عن مخرج لنظامنا التربوي لتصبح مدرستنا مدرسة جمهورية بامتياز قادرة على مساعدة الفقراء  في الأحياء الشعبية و في "آدوابة" وفي الريف  لكي يتسنى لهم تحقيق الرقي   الاجتماعي و الاقتصادي ، و نضمن بذلك لموريتانيا الغد بناء أمة مزدهرة  تسودها العدالة الاجتماعية ،يرتقي فيها أبناء الفقراء  مدارج الانعتاق والرقي  بعيدا عن أوهام الخطب الديماغوجية . ولن نصل الى هذه الأهداف النبيلة إلا اذا أعطينا لهذا القطاع ما يستحقه ، سبيلا إلى الخروج من براثين  الفقر والبطالة والأمية.

قال تعالى:  }وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التوبة106 - صدق الله العظيم

 

 وانتهز هذه الفرصة لأذكر بان الاقتراحات التي استقيتها من تجربتي المهنية المتواضعة والتي قد تساهم حسب نظري   في النهوض بمنظومتنا التربوية ستكون موضوع مقال سيرى النور في وقت لاحق بحول الله.