طالعتً مؤخرّا مقالا لوزير الخارجية التركي الأسبق والرئيس الحالي لتركيا عبد الله غل، ينعى فيه الملك السعودي الرّاحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والمقال بعنوان "الملك عبد الله.. صديقُ فقدناه". وفي اليوم نفسه قرأت مقالا آخر كتبه (بالإنجليزية) رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة محمّد بن راشد آل مكتوم، حول الحكامة الرشيدة، وضرورة أن "تبتكر الحكومات حلولا جديدة لحاجيات مواطنيها، لتحافظ على بقاءها، وتستطيع مسايرة التقدم.."
فور انتهائي من قراءة المقال الأخير قفزت إلى ذهني فكرة بسيطة ومفيدة: سأبعث هذا المقال (مع ترجمته) لأحد وزراءنا، حتى يطلع عليه فيضم محتوى المقال إلى (التوجيهات السامية) ويشرع في تنفيذه، فيساهم في تطوير قطاعه. لكن أين سأجد عنوان هذا الوزير.؟
بسيطة هذه..! قلت في نفسي، سأبحث على محرك البحث، صديقي كوكل، عن مقال لأيّ وزير، فلا بدّ أن أحدهم أرفقَ المقال بعنوان بريده الالكتروني، ولكن كوكل اعتذر هذه المرة ـ على غير عادته ـ فلا يوجدُ مقال لأي وزير في الحكومة، ولكن كوكل، لظرافته ، اقترح عليّ ـ تأدّبًا ـ مقالات لوزراء سابقين ، معارضين حاليّين.
هل هذا ممكن.. حكومةُ كاملةُ ولا مقالُ واحد!
ولكن.. لماذا لا يكتبُ الوزراء؟ تساءلتُ هكذا. عليّ أولا أن أستبعد أنّ الأمر يتعلق بحرية التعبير، فنحن في بلد يتربّع ويتخمّسُ على عرش حريّة الصحافة في العالم العربي، ومن المنطقي جدّا أن يكون الوزراء هم أول من يستفيد من هذه "النعمة" ما داموا أول من يستفيد من النعم الأخرى كنعمة الراتب، ونعمة السكن ونعمة العيش الكريم، ونعم أخرى كثيرة...
فهل يتعلق الأمر بمجرد بالكسل مثلا؟ ولكن..معاذ الله! فالشخص في هذه البلاد يحتاج إلى الكثير جدّا من الاجتهاد لكي يصبح ناجحًا في مهنٍ بسيطة كسائق تاكسي أو بائع متجوّل مثلا، فما بالك بوزير! وللسبب نفسه، أستبعد تماما أن يكون الأمر راجعا لعدم الكفاءة ـ لا سمح الله ـ لا..لا. لا بد أن الأمر خلافُ ذلك.!
وأخيرا تبنهتُ..آه!. لقد نسيتُ ـ وكثيرًا ما أنسى ـ أن النسيَان من طبع الإنسان. السبب بسيط جدّا: يبدو أن الذين شكّلوا حكوماتنا المتعاقبة، كانوا يعرفون أن هناك مواطنين يمرضُون فعينوا وزراء للصحة، وعلموا أيضًا أن هناك مواطنين يَشربون فسمّوا وزراء للمياه، ومواطنون يعملون فعيّنوا وزراء للشغل والوظيفة العمومية، وهلمّ جرا... ولكنهم نسَوْا ـ والنسيان طبع الإنسان ـ أنّ هناك مواطنين يقرؤون (على قلّتهم) فلم يعيّنوا وزراءً يكتُبون!!!
وعليه.. فإنني أذكّر الحكومة ـ عبر السّلم الإداري ـ أنّ لديها مواطنين يقرؤون ـ أحيانًا ـ وأنه على السّادة الوزراء أن يخصصوا جزءًا ،ولو يسيرا، من وقتهم لكي يكتبوا لهؤلاء المواطنين عن أيّ شيء، لسبب بسيط هو أن القراءة حاجةُ بشريّة، وأنه "على الحكومات أن تبتكر حلولا جديدة لحاجيات مواطنيها، حتّى تحافظ على بقاءها" وإلّا..
ومادام المواطنون المرضى (شفاهم الله) ينتظرون وزراء الصّحة، ويترقّبُ العِطاش (سقتهُم الغَوادي) وزراء الميّاه، ويترصّد العمال (فرج الله كربهم) وزراء الشغل.. فإنّ المواطنين القرّاء ينتظرون وزراء يكتبُون.. ولا بد أن ذاكرتهم، وذاكرة صديقي كوكل أيضا، ستحتفظ طويلا باسم أول وزير يكتبُ مقالا، على أن لا يكون وزيرا في المعارضة!!!
عبد الله البو أحمد عبد
للتواصل مع الكاتب: [email protected]