زنوج موريتانيا يخوضون معركة التعايش المستحيل مع العرب والمستعربين

اثنين, 2014-06-09 16:25

نواكشوط – «القدس العربي»: الاشتباك العنيف الذي حدث قبل أيام في ساحة «مدريد» في قلب العاصمة نواكشوط بين قوات حفظ النظام وممثلين للزنوج العائدين من اللجوء إلى السنغال، هو اختبار آخر كشف صعوبة التعايش بين زنوج موريتانيا الذين يعتقدون أنهم أهل الأرض، وعربها ومستعربيها.
تسبب هذا الاشتباك، في حادثة أخرى وقعت في باريس بين طلاب موريتانيين زنوج هاجموا سفارة بلادهم في فرنسا إحتجاجا «على قمع إخوانهم اللاجئين الذين جاؤوا إلى العاصمة في مسيرة راجلة للمطالبة بحقوقهم»، حسب بيان لهم.
هاتان الحادثتان ستضافان لدورات شد وجذب معقدة، تتفاعل منذ عقود مهددة تعايش قومية الزنوج مع المكون العربي والمستعرب لشعب موريتانيا المؤلف من ثلاثة ملايين ونصف المليون والذي يمثل الزنوج فيه نسبة 21 في المئة.

أسباب التنافر

مسألتان هامتان سممتا وتسمعان لحد الساعة، أجواء التعايش بين هاذين المكونين أولاهما شعور الزنوج بأنهم محكومون باستمرار وبشكل جائر وعنصري من طرف مجموعة «البيض أو «البيدان» كما ينطقها الزنوج، والثانية تمسك غالبية مثقفي الزنوج بلهجاتهم المحلية إلى جانب اللغة الفرنسية ورفضهم للغة العربية باعتبارها لغة «الخصوم».

شيء من التاريخ

خلال السنوات العشر الأولى لإستقلال موريتانيا عن فرنسا عام 1960، تمكن الرئيس المؤسس المختار ولد داداه من تسيير ملف التعايش بحكمة كبيرة حيث منح نخبة الزنوج الوظائف والإمتيازات؛ لكن ذلك لم يمنع من حدوث فتنة عام 1966 العرقية الدامية التي انتفض فيها الطلاب الزنوج وأعلنوا في بيان شهير «رفضهم للإجراء القاضي بإلزامية اللغة العربية في التعليم الأساسي والثانوي».
ولم تتمكن الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم موريتانيا بعد قلب نظام ولد داداه عام 1978، من إيجاد حل دائم لمشكلة التعايش التي ما تزال مطروحة بشكل يومي بين أفراد المكون العربي البربري والمكون الزنجي.

الفتن العرقية المتواصلة

في شهر نيسان/إبريل المنصرم أحيا زنوج موريتانيا، عبر تظاهرة طبعها العنف، ذكرى مرور خمس وعشرين سنة على الفتنة العرقية التي اندلعت بين موريتانيا والسنغال في إبريل/نيسان عام 1989، وتسببت في قتل العشرات من سكان البلدين وتسفير آلاف السكان في الإتجاهين.
جاءت هذه الفتنة العرقية نتيجة تلاحق أحداث عديدة منها تنفيذ حكم الإعدام عام 1989 في ضباط موريتانيين زنوج مدانين بجريمة المساس بأمن الدولة، ومنها ميلاد حركة «أفلام» الزنجية المتطرفة باندماج منظمات زنجية تخرج أغلب قادتها من رابطات ثقافية تنشط منذ بداية السبعينيات بهدف «تطوير اللغات الزنجية ومواجهة خطر الاستلاب».

وثيقة الأبارتهايد

لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت إصدار المتطرفين الزنوج في نيسان/إبريل 1986، لوثيقة «صرخة الزنجي الموريتاني المضطهد (شباط/فبراير 1966نيسان/ابريل 1986)». وأبرزت هذه الوثيقة، التي وزعت على نطاق واســـع، ما سماه محرروها «عنصرية الدولة»، وتحـــدثت عن «نظام الأبارتهايد الموريتاني الذي يـــكـــرس الهـــيمنة الفـــعلية للـ«بيظان» علـــى مخـــتلف مــفــاصل الدولة».
أدى صدور هذه الوثيقة إلى تعامل السلطات العسكرية الحاكمة في ذلك التاريخ، بقسوة شديدة مع ملف الزنوج، حيث أقيل مسؤولوهم من الوظائف وتعرضوا لحملة اعتقالات طالت العشرات من قيادات «ثورة المثقفين الزنوج» بتهم توزيع منشورات تمس الوحدة الوطنية والتمالؤ مع الخارج.

محاولات
إنقلابية وإعدامات

لم يدم الانتظار طويلا حيث اكتشف الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع أن سلطته ذاتها مهددة، وأن ضباطا وضباط صف من الزنوج يستعدون للإنقلاب عليه.
وهكذا بدأت في تشرين الاول/أكتوبر 1987 حملة اعتقالات واسعة في صفوف العسكريين الزنوج، تلتها محاكمة جماعية توجت بأحكام إعدام نافذة في حق ثلاثة ضباط وسجن العشرات، ثم تلت ذلك عمليات إعدام أكثر 27 عسكريا زنجيا آخرين في ذكرى استقلال البلد سنة 1987 فيما عرف لاحقا بمجزرة «إينال». ومهد كل هذا لاندلاع الأزمة بين موريتانيا والسنغال في عام 1989 والتي راح ضحتيها مئات الموريتانيين قتلا وحرقا على يد متطرفين وعسكريين سنغاليين، إضافة إلى أعداد مماثلة من السنغاليين والمواطنين الزنوج في موريتانيا.
وازداد ملف الزنوج تعقيدا بعد صدور قانون العفو سنة 1993. عن جميع المتورطين في الأحداث السابقة، وهو القانون الذي يطالب الزنوج اليوم بإلغائه لتسليط الضوء على الأحداث السابقة وعدم إفلات المسؤولين عنها من العقاب.
«لا تلمس جنسيتي»

زاد الإحصاء الإداري الشامل للسكان الذي جرى في ايار/مايو 2011 من ضيق الزنوج الموريتانيين الذين اعتبروه «إحصاء موجها ضدهم». وكردة فعل عليه أسس شباب زنوج حركة «لا تلمس جنسيتي» التي نظمت مسيرات احتجاجية واسعة خلال السنتين الماضيتين لإسقاط ما سماه منسق الحركة بيران وان «الإحصاء العنصري». ويتهم البعض حركة «لا تلمس جنسيتي» بالسعي لتجنيس زنوج من أصول غير موريتانية وهو ما يدفع الموظفين القائمين على الإحصاء الإداري، للتدقيق في المسجلين الزنوج. وعكس ما تقوله الحركات بخصوص قضية الزنوج، تؤكد الحكومة الموريتانية الحالية أنها «بذلت الكثير من الجهد من أجل لملمة الجراح التاريخية بإعادة آخر فوج من اللاجئين في 25 آذار/مارس 2012، والذي سمي يوما للمصالحة الوطنية، كما تمت إعادة هؤلاء إلى وظائفهم وصرف منح للمتقاعدين ومنح تعويض لورثة ضحايا الانتهاكات ووضع معالم لقبور المختفين».

مستقبل غامض

من المجمع عليه أن مشكلة التعايش بين المكونات العرقية في المجتمع الموريتاني لن تجد حلا قريبا، إذ أن هناك مجموعة عوامل تهددها وتعرقلها مثل الشحن العرقي المتواصل وتدهور التعليم واستشراء الفقر وفشل السياسات التنموية وتورط الدول المجاورة التي تشكل امتدادا عرقيا للأقليات في تأجيج الصراع.

عبد الله مولود