لا يوجد حدث يشبه إعلان داعش تحولها إلى دولة الخلافة ، بأبعاده و ليس بضخامته بالضرورة ، مثل حدث وصول البلاشفة إلى السلطة في روسيا و إقامتهم «دولة العمال والفلاحين»، و بدرجة أقل وصول الخميني إلى السلطة في إيران…
في كل هذه الحالات قوة سلطوية «أممية» شديدة الدوغمائية لدرجة الديماغوجيا ، تعلن سلطتها» الخاصة كتجسيد واقعي لمشروعها الطوباوي حتى الأمس ، والمعادي دون أية مساومة للنظام القائم .. وعند استعراض الخلاف بين «الإسلاميين المعتدلين» الإخوان خاصة، مع البغدادي حول «الطريق» الموصلة إلى الغاية المتفق عليها :
أي دولة الخلافة ، يحضرنا فورا الخلاف الجذري بين لينين «الثوري» وقادة المناشفة و حتى معظم قادة البلاشفة حول الموقف من الحكومة المؤقتة وحول شعار لينين عن «الثورة الاشتراكية» ، أي عن أولوية العمل الجدي لإسقاط نظام ما بعد القيصر للحلول مكانه و الاستيلاء على السلطة.
و يكاد يمكن الجزم أنه في كلتا الحالتين أيضا و رغم الخوف ، أو الذعر ، الذي أثاره إعلان «دولة العمال والفلاحين» أو «الخلافة» في قلوب النخب الحاكمة في العالم ، فإن معظمها مع ذلك استقبل هذا الخبر ببرود وبالكثير من اللامبالاة ، فروسيا العشرينات كانت حطاما ، متأخرة بدرجة كبيرة عن نظرائها في الغرب ، «آسيوية» ، وحدها قسوة الطبقة الحاكمة الجديدة و شعبويتها العابرة بين الكادحين و نجاعة مؤسساتها القمعية سواء الجسدية او الفكرية إلى جانب التغيرات العميقة في التوازنات الجيوسياسية بين القوى الكبرى هي التي مهدت الطريقة أمام تلك الدولة لتصبح قوة إمبريالية كبرى مع نهاية أربعينات القون الماضي أو ثاني أقوى قوة إمبريالية عالمية ، الشيء نفسه أنجزته مؤخرا إيران الخيمينية لكن على نطاق إقليمي فقط…
الأمر الآخر و المهم أيضا هو أن تلك القوى (البلاشفة ، الخميني ، وأخيرا داعش) وصلت إلى السلطة أولا نتيجة أزمة عميقة في النظام القائم و في سيطرة القوى الطبقية و الحاكمة القديمة ، أزمة لم ترها النخب الليبرالية بوضوح ولم تقدر عمقها بسبب عمى إيديولوجي ، ووسط ميوعة واضحة في رفض النخب المنافسة للنظام القائم ، و أيضا و هو الأهم : في لحظة ثورية فاصلة:
لحظة بداية التراجع في كفاحية الجماهير و مقاومتها للنظام القائم بعد صعود ثوري حاد لكنه مؤلم و مكلف جدا على تلك الجماهير ، ترافقت بمحاولات تسيير ذاتي جنينية ماتت أو قتلت في مهدها ، غالبا بيد القوى السلطوية «المعارضة الجذرية» نفسها.
البلاشفة الذين قتلوا السوفييتات و لجان المصانع التي أقامها العمال الروس والخميني الذي دمر مجالس الشورى ، و في الحالة السورية المجالس المحلية والتنسيقيات التي وأدتها مخابرات الأسد و معارضته النخبوية و معهم «داعمو»الثورة السورية ، و أخيرا داعش…
تلك السلطوية المهووسة بالقوة هي ما فاتت فوكو الذي رحب بالثورة الإيرانية على أنها تجسيد حر للآخر غير الأوروبي خارج آليات وتوصيفات الحداثة القمعية و الإقصائية لكل آخر و لكل مقاومة ضدها والمنتجة لتشيؤ الإنسان وهو ما فات كل من رحب بالثورة «البلشفية» وما حملتهما من آمال عريضة لمضطهدي العالم…
ما جرى اليوم يمكن اختزاله تماما بذلك التوصيف الدقيق لكل من الثورتين الروسية و الإيرانية بعد استيلاء لينين والخميني عليهما: لقد ولدت طبقة حاكمة جديدة ، شكل جديد للاضطهاد ربما (نسخة مختلفة ربما عن رأسمالية الدولة اللينينية)
مازن كم الماز