قد تبدوا الاجابة عن السؤال لعنوان هذا المقام الذي سنحاول من خلاله تسليط الضوء على بعض من جوانبه وهو اكثر تعقيدا لان زوايا النظر اليه متعددة بتعدد المصالح والرؤى،
وتتمثل التنمية الفعلية الشاملة مطلبا ومطمحا عند جميع ابناء هذا البلد، ومن جميع جهاته، وهذا مطلبا شرعيا لا يمكن التغاضي عنه، من أي جهة كانت، فواقع المسار التنموي المغلوط ظل ينأى كثيرا عن ما تغتضيه التنمية الفعلية الشاملة على الصعيد الجهوي "المحلي" المناطقي وبالذات الولايات الشرقية أي ما يطلق عليه بالعامية "الشرق".
هذه الجهة التي تعاقبت عليها جميع الانظمة التي حكمت موريتانيا، ولم تكترث لواقعها المزري، الذي ظلت تعاني منه منذ استقلال الدولة الموريتانية.
بل عمدت جميع هذه الانظمة المتعاقبة على تهميش هذه الجهة وحرمانها من كل مقومات الحياة، فالمعانات واضحة وجلية للعيان رغم جهود بعض ابناءها الذين فضلوا الهجرة على البقاء في البلد رغم المخاطر التي تحيط بعملهم إلا انهم استطاعوا تخفيف وطأة الفقر على ذويهم في هذه الاماكن.
فهناك مسؤوليات تقع على عاتق الدولة لايمكن التنصل منها وهي تحقيق ابسط قدر ممكن من التنمية البشرية.
إن واقع الشرق المتمثل في ندرة المياه الصالحة للشرب والجهل والتخلف والفاقة وانتشار الامية والبطالة والمرض والنسيان من أي بنية تحتية لائقة يمكن للمواطن من خلالها –بالكاد- أن يلمسح أي انجاز للدولة يمثل به حضورها التنموي.
ان الصورة قاتمة والوضع جد خطير في هذه المناطق، وهنا ادق ناقوس الخطر، وارجو ان لا تكون صرخة في واد، فالواقع في ادغال واد آخر.
ومن هنا ننبه ان احتياجات "الشرق" تتمثل في انجازات بنيوية حتى نخلق قاعدة اقتصادية قادرة على العطاء المستمر والمتواصل.
إن أي تقاعس بعد الان من طرف النظام يعتبر استمرارا للحالة السائدة وإسرارا متعمدا على الوضعية الحالية، وهذا سيجعل البعض يفكر في ردة فعل لم يكن يحسب لها حساب، خاصة ان المنطقة لها حدود مفتوحة على الجارتين مالي والجزائر تبلغ آلاف الفرازخ والكليوميترات والإرهاب يبحث عن حاضنة اجتماعية تأويه وتقدم له ما يفتقده.
يقول: بول هارسات انه كلما تضاءلت قدرة الدولة يمكن للحركات الدينية والقومية ان تتوسع داخل الدولة، وان الدولة ستحارب بعضها بعضا، وستواجه الدولة بهذا تهديد الارهاب والهجرة، لان الفقراء الذين يعانون من الحرمان والتهميش سيجدون ضالتهم في خطاب هذه الحركات المتطرفة، كما انهم سيتعرفون على احدث منجزات العصر ووسائل الترف وسلع الاستهلاك البذخية، وهذا ما يجعلهم يحصلون على مطالبهم باي ثمن، كما يقود الى ردود فعل داخلية قد تسلك سبيل العنف والجريمة، كما ان التقدم المذهل في وسائل الاتصال يقرب الصورة اكثر بحيث يمكن ان يفكر أي شخص في أي عمل انتقامي ويصل الجميع في نفس الوقت". انتهى الاستشاد.
وغني عن القول ان العنف والعنف المضاد لايمكن ان يتحقق فيه أي مسار سواء كان تنمويا او ديمقراطيا، او ثقافيا، ويشمل ايضا ذلك اهدار الطاقات والموارد، والمحصل في كل الاحوال الانزلاق عن المسار الصحيح الذي يجب ان نسلكه جميعا.
إن اهدار الاموال الطائلة في غير ما ينبغي توجيهها هي النظرة السائدة عند الجميع ومثل هذه القضية يجب ان ينظر الى اسبابها، من خلال ادراك شامل لواقع التنمية الاقتصادية للبلد.
ويجب ان يكون تحسين الوضع الاقتصادي وتقليص البطالة وتحقيق القدر الممكن من الحيات الكريمة للقاعدة العريضة والمجتمعات التقليدية في هذه المناطق، وفي اطار سيادة القانون، والمشاركة المجتمعية وصيانة حقوق الانسان، والوفاء بالالتزامات والوعود الانتخابية، علما ان "الشرق" يعتبر اكبر خزان انتخابي يمكن الاعتماد، عليه حيث تبلغ نسبة الناخب فيه 51,39 وفق اللائحة الانتخابية الوطنية، ووفق آخر احصاء قيم به من طرف الادارات المعنية، كاللجنة الوطنية للانتخابات، وادارة الاحصاء، إلا انه يبدوا ان هذه النسبة المعتبرة من الاصوات لم تشفع لهذه المنطقة المنكوبة من الوطن، بل تعمدت كل الاحكام على تنمية التخلف بدلا من الرفع من مستواها.
لقد بلغ السيل الزبى، وبلغت القلوب الحناجر، وآن الاوان لخلق قيادات جديدة تمتلك حسا وطنيا يمكن لها ان تستشرف المستقبل بكل نزاهة ووطنية، بعيدا عن الانانية الضيقة والمصالح الخاصة. وهذا لن يتأتى الا بواسطة تأسيس هيئات حزبية او روابط مدنية قادرة على خلق خطاب جديد يمكن ان يغير التوجه القديم البائد وتصحيح المفاهيم الخاطئة في هذه الجهة، حتى يكون هناك إحساس بالتردي للتنمية على المستويين الاقتصادي والسياسي، وكذلك خفوت الامل في تصحيح الاخطاء وتنقية المستقبل.
إلياس محمد