حي فقير في نواكشوط: شباب في السجون وأمهات ينتظرن

سبت, 2014-07-05 15:46

ترسل السيدة الخمسينية عيونها باتجاه الشارع المقابل، متسائلة عن صاحب الدكان المجاور..تتمنى أن يقرضها نزرا قليلا من الأرز لتطعم أبناءها، وتبدو مستاءة من التصاعد المذهل للأسعار “لم نعد نطيق هذا الوضع، كل المواد الغذائية تشهد ارتفاعا متزايداً” تقول “الغالية”، وقد بدت عليها علامات الغضب.

وتضيف “الحكومة تتحدث عن فتح محلات لذوي الدخل المحدود، أما نحن فلا نملك دخلا ماذا نفعل لهؤلاء الصبية، إنهم يتضورون، ويتألمون”.

تتحدث الغالية، وهي تهش على أطفالها المتجمعين من حولها في انتظار وجبة الغداء، وتردف قائلة “زوجي حمال أمتعة يجود علينا في أحسن الأحوال بألف أوقية يوميا، هي ما يعود به من رحلة يوم شاق وطويل في مناكب المدينة، وإذا صرفت في إعداد وجبة الغداء فإننا لن نحصل على ما نعد به طعام العشاء، نحن ببساطة نراوح بين الوجبتين، وإن توفرت إحداهما فأقرأ على الأخرى السلام، يضاف لذلك كثرة الحاجيات اليومية للأسرة”.

معظم شباب حي “لغريكة” الواقع على حافة الأطلسي بالعاصمة نواكشوط، داخل السجون، بحسب ما تقول “عيشة”، وهي عجوز اعتقل أحد أقاربها وزج به في زنزانة بعد أن ارتكب عملية سطو وسرقة، “المجاعة ترغم أبناءنا على ارتكاب الجرائم، لذا نحن نحكم إغلاق أكواخنا ليلا خوفا من عمليات سطو، هي جزء من الحياة هنا”.

تنتشر البطالة في صفوف الفتيان والشباب مما يضطرهم للجوء إلى البحث عن لقمة عيش بطرق أخرى، حتى ولو كلفهم ذلك حريتهم، وكثيرون منهم اليوم وراء القضبان، فقد ازدادت صعوبة الحياة مع انعدام فرص للعمل.

وترجع “عيشة” كل تلك النكبات إلى الحرمان الذي يضرب بأطنابه في صفوف السكان، رغم الحديث الذي يتكرر في وسائل الإعلام عن خطط لإنقاذ الأهالي من المجاعة.

ويحذر عدد من سكان “لغريكة” من حصول كارثة حقيقية في حيهم، ويناشدون السلطات بضرورة القيام بإجراء عاجل يتجاوز حدود الحديث عن خطة استعجالية، وفق ما يقولون.

“وبالرغم من مشاكل السكن وطول الانتظار منذ عقود فإننا نطالب بمواد إغاثة عاجلة، الفقر يسرق أبنائنا والحاجة تدفع الكثيرين إلى المخاطرة بحياتهم” يقول محمد فال الناطق باسم مجموعة من السكان يتجمعون تحت خباء على قارعة الطريق.

مجموعة من النساء ابتكرن طريقة أخرى لكسب القوت يرحلن إلى الطريق الذي يربط بين الميناء والمطاحن الكبرى لموريتانيا، فهناك يجمعن الحبوب المتساقطة من الشاحنات التي تسلكه يوميا، في رحلة ذهاب وعودة بين المرفأ والمصنع، تحت أقبية من القماش تحميهن أشعة الشمس، وينهمكن في عمل دؤوب بطاقم من أبنائهن وبناتهن.

الأطفال يبحثون عن الأماكن الأكثر جاذبية على حافتي الطريق، ثم يدعون الأمهات إليها ويتنقلن من مكان لآخر، بحثا عن حبوب خلفتها الشاحنات الممتلئة بأطنان القمح والشعير، الفتيات يبسطن الملاحف، والأمهات يشرفن على عملية التنقية، يفصلن حبيبات القمح والذرة والشعير عن قطع المحار وحبات الحصا، التي اختلطت بها ثم يصببن الماء غسلا وتدليكا..لتحصيل لقمة عيش من على حافة الطريق!

يتجول “كيكيوطه”( 45 عاما) بين أكواخ الحي، يجمع ما تيسر من متأخرات ثمن اللحم الذي أقرضه لسكان الحي، وغالبا ما يعود من رحلته خاويّ الوفاض، إذ لا تملك الأسر المَدِينة التي زارها ثمن السلع التي اعتاد بيعها لهم، ثم يضطر لتسجيل الديون في دفتر امتلأ بأسماء أغلبها مؤنثة.

نساء يعلن أطفالا تقطعت بهم السبل في أحياء الصفيح بمحاذاة الميناء القديم، ويبدو الرجل الذي التحف قماشا أسود، “خاطته لي أم العيال من خرق بالية” كما يقول، مزهواً بوضعه الاقتصادي، حيث يظل طوال يومه جوّالا بين مذابح الأحياء المجاورة، ملتقطا مخلفات اللحوم التي يستغني عنها الجزارون، بعد بيع الطري منه لزبناء آخرين ميسوري الحال.

يتحدث ساخرا عن شبح المجاعة الذي يخيم على السكان: “أنا أغنى رجل في الحي، أقرضهم لحم ((الصميان)) وأشفق عليهم من التسديد، معظم المدنين ربات بيوت، ويعجزن عن دفع المستحقات، ورغم أنني أوفرهم حظا فإنني أصادف دائما أياما عصيبة، تمر علي دون أن أتناول طعاما، لأنني ببساطة لا أملك حرفة للكسب ولا معيلا يساعدني في جمع قوت عيالي”.

جانب من معاناة أحد أفقر الأحياء في نواكشوط، مئات الأسر أغلبها تعيله الأمهات، أما الآباء فما بين متوفى أو عاطل عن العمل، بحسب ما تقول “الغالية” وهي أم لسبعة أطفال.

 

 

 

 

 

الوم السباع