أوهام المنهج الأكاديمي

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
جمعة, 2015-03-06 13:05

استعمال الخطاب الثقافي لم يعد استعمالا بريئا، والتعاطي مع المفاهيم والمناهج والنظريات لم يعد هو الآخر بعيدا عن نقد الاستعمال، وعن فقه الحاجة، وعن تعقيد النظرة العلموية للنقد والمراجعة، إذ لا يمكن الفصل بين العلم واستعمالاته، أو بين النقد وبين نظرياته ومناهجه، فهذا الفصل تحول عند البعض إلى ممارسة في (سدّ الذرائع) التي تستوجبها القراءة، لاسيما في الفضاء الثقافي العربي الذي يعاني من علل هيكلية، بما فيها العلل اللغوية، والعلل الأبستمولوجية، التي لم تتعقب للأسف المشكلات الحقيقية التي نواجهها..
حديث المنهج لم يتحول عندنا إلى حديث في تقعيد قيم وأصول المعرفة، ولا إلى حديث في نقد الميتافزيقيا، أو حتى مقاربة الإشكاليات المعقدة، التي تخص بناء مشروع ثقافي له استراتيجياته الفاعلة، مع معرفتنا بأن المناهج هي صناعة غربية، وأن الاشتغالات الاستهلاكية والتوظيفية تتمثل إلى علاقة هذه المناهج بالنصوص والأفكار، وتنظيم آليات التعلّم والمعرفة، بما يمنح هذه المعرفة قوة في التأسيس وفي التوصيل، وفي تقليل عوائقها، باتجاه بلوغ الدارس مستوى من الفهم للمعالجة والكشف والتعمّق في التحليل، لكن الأخطر في الموضوع حين ينحى البعض إلى تحويل آليات فهم هذه المناهج إلى محاولة موضعة المنهج الأكاديمي كمقياس لضبط فاعلية بناء التصورات عن طبيعة إدراك اي منهج آخر، وبما يعطي لتوصيفها فروضا وأحكاما تحدد الفهم ضمن معيارية تمس أي مصداقية علمية، مثلما تمس عملية نقل مفاهيمها المتعلقة بالمعرفة.. 
الحديث عن هذا (المنهج الأكاديمي) بات مثاراً لجدل واسع حول صدقية هذا المنهج، وحول إجراءاته وتوصيفاته، وكذلك حول دوافع إطلاقه دونما أي سند علمي ونظري لهذه التسمية الافتراضية، وحتى إمكانية مقارنته بمناهج علمية معروفة وقارّة في المشغل النقدي، وفي الأسئلة التي يمكن أن تثار حوله، فهل هناك حقا منهج مرهون بهذه التسمية، بما فيها المناهج التي تخص اللغة والعلوم والفلسفات؟ وهل يمكن لهذا المنهج أن يكون هو الحيازة العلموية لمواجهة مصداقية المناهج الأخرى؟ وهل يمكن لهذا المنهج الافتراضي أن يكون جزءا من السلطة الإيهامية، والتحصين الإيهامي الذي تقترحه المؤسسة الأكاديمية لمواجهة صناعات معارفية خارجها؟
هذه الأسئلة وغيرها قد تكون جزءا من الجدل، هو طبيعة المعرفة العلمية للمناهج والنظريات، وكيفية توصيفها واستعمالها، وتقعيدها في المجالات التي تستدعي المبادأة بالقراءة العلمية، القائمة على أسس تتطلبها طبيعة هذا المنهج أو ذاك، الذي ندرسه وندرّسه في الجامعة.. فكلنا يعرف أن الجامعة هي مؤسسة أكاديمية للتعليم والمعرفة، وإن درسها يتجوهر حول وضع المادة المعرفية في سياق التعرّف والتعليم وتنشيط حافز القراءة العلمية، وفي إعطاء طلاب هذه المؤسسة دروساً علمية أو أدبية، والدفع باتجاه التواصل مع كل المناهج والنظريات التي تُوظف في هذا المجال، أي أن الطالب يتعلّم – في المؤسسة الأكاديمية- أصول الدرس، وآليات الضبط العلمي النظري والإجرائي في معرفة التطبيق القياسي للمنهج والفكر والنظرية.. فضلاً عن اكتسابه مهارة وفاعلية التعرّف والتعلّم، والدربة على التمكين في استعمال توظيف المناهج والنظريات عند قيامه بفحص النصوص التي يقرأها، وبما تتيح له مجالاً لربط المناهج بالظواهر، وباستنطاق النصوص والأفكار والدروس والمعارف على أسس علمية، وفق خبرات تجوهر أساسا في المنهج.
هذا المعطى يؤكد لنا حقيقة وجود المناهج والنظريات في الدرس الأكاديمي، لكنه يؤكد بالمقابل عدم وجود منهج محدد ومهيمن يمكنه الاستئثار والتقنّع بهذه التسمية القسرية، التي ستعطي للدارس الجامعي على مستوى الأطروحات والرسائل الجامعية خصوصية فائقة في مجال التوصيف، وفي ترسيم حدود تتجاوز آليات عمل السياق النقدي، وفي تحديد طبيعة إجراءاته، في الوقت الذي ينبغي أن يكون الدرس الأكاديمي عوناً للطالب وتنظيما وتوجيها لدرسه ولقراءاته، وحتى للناقد في تعضيد علميته، وفي إثراء نظرته ومعالجاته للنصوص، وفي تشذيب وضبط استعماله للمفاهيم والمصطلحات والنظريات، بما يجعلها أكثر قدرة وتعبيراً عن التداولية العلمية لتقانات المشغل النقدي..
ما يثير اللبس هو أن بعض النقاد أو معلمي الجامعة يغالون في هذه النظرة، ويصطنعون للدرس الأكاديمي توصيفاً قسرياً لا يناسبه، وتضخيماً غير مبرر في إقراره، مقابل تقليل الشأن إزاء أي تسمية أخرى، التي ستكون أقل شأناً حتما؛ لأن هذه التسمية غير قياسية، وغير علمية، وستفتقد إلى الضبط النقدي الذي ينبغي أن يمتاز به النقد الأكاديمي، رغم أن هذا النقد – بحكم انضباطيته ومدرسيته – هو أقل حساسية في التعاطي مع مستويات النص، ومع كشوفاته، إذ ينبغي للناقد أن يكون أكثر حرية وأكثر خبرة، وأكثر مغامرة في النظر إلى حمولات النص النسقية المضمرة والظاهرة، في وقت يجد الناقد المهجوس بالمركزية الأكاديمية – الاّ باستثناءات قليلة جداً- ضيقاً في ممارسة تلك الحرية، وفي النفور خارج معطى ما يفرضه الدرس، وخارج موجهات اللاوعي التي تحكم عادة الخصوصية التي تكتب بها الرسائل، أو الأطروحات الجامعية، التي تحاصر بمحدودية هامش الاجتهاد، وضواغط التوافر على الجانب النظري والجانب العملي، وكذلك في الشواهد والمرجعيات تحت إيهام حيازة ما يسمى بالإسناد العلمي للرسالة والأطروحة.
قد لا يكون هذا حكماً على طبيعة ما يكتب من نقد لنقاد معروفين وفاعلين من المؤسسة الجامعية، لكنه أيضاً ينبغي ألا يكون أيضاً دافعاً لاصطناع أطر وسياقات عمل ضاغطة ومتعالية لهذه التوصيفات، ودونما وجود أي تغطية علمية لها، ولا حتى أرضية تجعل هذه التسمية أو تلك جائزة للاستعمال في النظام النقدي وفي مشاغله المفتوحة.
إن إعادة النظر بتسويق المناهج وإطلاقها للاستعمال يحتاج دائماً للمراجعة، ولخلق فضاء تفاعلي يمكن أن يعزز العلاقة بين المؤسسة الأكاديمية والمزاج الثقافي العام، وبما يجعل الضبط العلمي للمؤسسة فاعلاً في تأهيل العقل النقدي لأن يكون أكثر فاعلية وعلمية ودربة في معالجة المادة النصوصية، وبعيداً عن الاستئثار بخصوصية الدرس وشروطه التعليمية وتحجيمه؛ لأن يكون صندوقاً مقفلاً، وأن يجعل من صاحبه مالكاً لشفراته السرية التي تضعه في مستوى المساوم والضاغط والعراب.

كاتب عراقي

علي حسن الفواز