مما لا شك فيه أن الإعلام في عصرنا اليوم، أصبح ركيزة أساسية من الركائز التي تبنى عليها الدول، وترتقي بها المجتمعات، كما أنه يسهم بشكل فعال في تطوير المجتمع وتغيير عقليات الناس وتحديد مواقفهم، هذا بالإضافة إلى الدور المنوط به في تنوير الرأي العام وتوجيهه، باعتبار أن الصحافة هي "مرآة تنعكس عليها صورة المجتمع".
فالصحافة كما يعرفها الأستاذ أديب مروة هي (..فن تسجيل الوقائع اليومية بدقة وانتظام وذوق سليم مع الاستجابة لرغبات الرأي العام وتوجيهه والاهتمام بالجماعات البشرية وتناقل أخبارها، ووصف نشاطها ثم تسليتها وتزجية أوقات فراغها..(. انتهى
وحقيقة الأمر أن الإعلام سلاح ذو حدين: "إما لك، وإما عليك".
فإذا تم استغلاله بشكل جيد ووفق قوانينه وقواعده المعهودة، سينعكس ذلك إيجابا على المجتمع، ويساهم في تنميته وازدهاره، أما إذا أسأنا استخدامه، وكسرنا قواعده، وخرجنا على قوانينه ونظمه، وانتهكنا حرماته..فحينها سينعكس سلبا على الدولة والمجتمع، وقد يؤول بنا لا قدر الله إلى أمور لا تحمد عقباه من تدمير وخراب، وتفرقة. خاصة إذا قمنا بتحويل حرية الإعلام إلى فوضى عارمة لا تبقي ولاتذر.
ولذا فإنه على كل الصحفيين المهنيين في بلادي الحبيبة، العمل بمسؤولية تامة في إطار أخلاق وأدبيات المهنة الصحفية، مواثيق الشرف المهنية، وأن يدركوا أنه من اللازم وجود صحافة حرة ومستقلة تستطيع أن تقوم بواجب تنوير المجتمع بشأن الأحداث التي تحصل، واطلاعه على جميع الحقائق بكل مهنية وموضوعية، بعيدا عن اتخاذ الشائعة كمصدر، أو التخندق والمزايدة أثناء تناول الأخبار فكما يقولون "الخبر مقدس، والتعليق حر".
كما أن على كل صحفي مهني أن يدرك أن أهداف الصحافة تتمثل في: " الإخبار والإعلام والشرح والتفسير، والتعقب والإرشاد والتنوير، والتوجيه، وتلبية رغبات الجمهور وحاجاته، والتسلية والإمتاع". بعيدا عن الإثارة، والمزايدة، واستهداف الوحدة الوطنية، ودق إسفين النزاعات بين مكونات الشعب الواحد.
لقد أصبحت المهنة الصحفية في موريتانيا مهنة من لا مهنة له، ومن السهل أمام كل من هب ودب أن يلجها من بابها الواسع، ليتم تمييع الحقل الإعلامي بشكل رهيب، وتكاثر أدعياء المهنة الصحفية، وانتشار ظاهرة التسول والارتزاق باسمها، فضاعت هيبة الصحافة والصحفيين، وأصبحت المهنة محتقرة في المجتمع، مما أدى إلى هجرانها من لدن الكثير من كبار وخيرة الصحفيين في البلاد.
ولذا كان لزاما علينا كصحفيين مخلصين للمهنة، أن نطلق صرخة قوية لانتشال الصحافة من الواقع المزري الذي تعيشه اليوم، والوقوف بشكل جدي في وجه تمييع الحقل الصحفي، ومصادرته من لدن رتل من الأميين والأمنيين، همهم الوحيد هو ملء جيوبهم على حساب شرف المهنة الصحفية وكرامة العاملين فيها، في ظل مباركة من النظام، ومعظم "المسؤولين" في مختلف قطاعات الدولة، الذين يشجعون هذا التمييع، ولا يرغبون في وجود صحافة مهنية ومبدئية.
لأن وجود صحافة مهنية وموضوعية ترفض الخنوع و الانبطاح، وتأبى التملق والارتزاق، سيضر لا محالة بمصالح كل مفسدي البلد، وسيقض مضاجعهم.
لقد حان الوقت أن نطلق قاطرة إصلاح وتنقية الحقل الصحفي في بلادنا، ونقف في وجه تمييعه، من خلال بناء مؤسسات إعلامية حقيقية، تبرم عقود عمل –غير مفبركة- مع جميع عمالها، وتمنحهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.
مؤسسات إعلامية لا تخضع لسلطة شخص، أو قبيلة أو جهة سياسية ما، ولا ترضخ لمالكها، أو ممولها، أو الجهة التي منحتها قسطا من الإعلان والإشهار.
مؤسسات إعلامية جادة تبتعد عن أجواء المحاباة أو التبعية لأية سلطة كانت لكي لا تفقد استقلاليتها التي هي جوهر عملها الذي تقوم عليه.
إن طموحنا الكبير هو وجود إعلام حر ومستقل، إعلام مهني وموضوعي، وبذلك تكون المهنة الصحفية مهنة تشرف ولا تخجل، وتبني ولا تهدم.
فما تتطلبه المرحلة هو وجود صحافة شريفة وشامخة، ترفض الذل والمهانة، و الجبن والاستكانة، حريصة على الوحدة الوطنية، بحيث تبتعد عن كلما من شأنه أن ينال منها، أو يعكر صفوها.
والله من وراء القصد.
عزيز ولد الصوفي، صحفي