الرواية الإماراتية في عمر الأربعين

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أحد, 2015-03-08 18:09

لا يمكننا أن نحسن الحكم على أي حالة ما لم نتريث اندماجها في محطة النضج وتشكلها في الجوهر والقالب الداخلي، فالحالة يحكمها التحول. الإنسان الأولي لم يكن بوسعه أن يصدر حكماً فاصلاً على الثمرة النابتة بين حنان الشجرة، إلا بعد أن دخلت الثمرة في طور نموها الثانوي واكتمل نضجها بين الغصن، فجرّب وقتها لذة الطعم وعذوبة اللون والشكل وميزة التذوق، ثم أطلق لكل ثمرة ميزة ذوقية بعد تفكيك الذائقة، من حيث نسبة الماء والسكر والحامض الموجود في كل ثمرة، وقياساً على الثمرة يمكن تقرير إصدار الحكم على المشهد الروائي في الإمارات، إذ ليس من الحكمة أن نستعجل تقنين المشهد وتعطيل أسئلة الإبداع سريعاً بإصدار حكم جزافي على حالة لم تأخذ طورها في النمو، لاسيما وقد لمسنا بعض القسوة في الحكم على واقع الرواية الإماراتية، من خلال بعض الأوراق النقدية التي قدِّمت ضمن فعاليات ملتقى الشارقة للسرد في دورته الأخيرة 2014، مع احترامي لجهود المشاركين، إلا أنها في أغلبها كانت أوراقاً تشاؤمية تعلن الحداد على المشهد الروائي، وحاولت نسف النص لكنها أخطأت غاية الكتابة.
إن الواقع الروائي في الإمارات ليس في حالة تردٍ، كما نعته بعض النقاد الذين استعجلوا الحكم، من دون أن يكون لهم إلمام بالخريطة الروائية الإماراتية، وحتى إن قرأوا نصوصاً هنا وهناك، فهي غير كافية لتشكيل وعي نقدي مخصوص تجاه الرواية الإماراتية.
الرواية هي جنس دخيل على الثقافة العربية برمتها، بمعنى آخر نحن كامتداد عربي لم نحقق لحدود اللحظة تراكماً روائياً يجعلنا نقيم الفروق بين الرواية الإماراتية وغيرها، أو نوزع المنتوج الروائي العربي إلى اتجاهاته، لحد كتابة هذه الأسطر، أتساءل هل جرّب العرب الكتابة خارج ما هو نمطي؟ هل أسسنا لآفاق انتظارات روائية مخصوصة بنا؟ هل استطعنا لحدود اللحظة أن نتجاوز السير ذاتي في مشهدنا الروائي العربي؟ ماذا أضاف العرب للمشهد الروائي العالمي؟
إن وصف واقع الرواية الإماراتية بالتردي هو امتداد لجملة من الأحكام المسكوكة الجاهزة التي ينتجها «الناقد العربي» تجاه الوضع في الإمارات، ومادام الإماراتي يمتلك هذه الثروة الطبيعية، فلا يمكنه أن ينتج أدباً، أو يتم اختزال هذا الأدب في «أدب البترودولار»، إن هذه الأحكام الجاهزة التي ورثها الناقد العربي إبان الحرب الباردة، والتي كانت تصنف الإمارات الخليجية ضمن معسكر الرأسمالية، وحينما انهار جدار برلين، وأعلن عن نظام عالمي جديد، وتغير العالم، وتحولت الرؤى، ظل الناقد العربي يحمل في عمقه الإرث المسكوك، الذي يرى الأدب الإماراتي بوصفه أدباً مخملياً غير قادر على طرح الأسئلة المفصلية التي تعيشها الثقافة العربية من محيطها إلى خليجها. 
الإشكال الأكبر الذي يعيشه أغلب النقد الموجه للرواية الإماراتية أنه نقد تقاعد عن القيام بوظائفه، فهو نقد سطحي في عمومه وانطباعي ، وكأن المبدع الإماراتي اليوم هو بمثابة تلميذ كسول مطالب بأن يتقرب من الناقد كي يعلمه الوصفة السحرية للكتابة، وعليه أن يظل قريباً منه كي لا يسلط سهامه الفاتكة على عمله. النقد اليوم بحاجة إلى إحداث قفزة تاريخية يتجاوز فيها هذا المنظور، الذي يسعى إلى نسف الإبداع وفرض قواعد نقدية قديمة تعتمد في أساسها على الانطباع، إنني أطمئن نقادنا بأن الإبداع في الإمارات يؤسس لقواعد إبداعية جديدة، تنبني أساساً على التجاوز، لهذا على الناقد أن يفرغ عقله من كل ما هو نمطي ويقترب من النصوص بذهن صاف ليعيش أسئلتها، وسيغير أحكامه لا محالة. 
إن السرد في الإمارات حالة ثقافية متحركة بنشاط، رغم ما يعترضها من تساهل بعض الكتاب لكتابة الرواية، وهو تساهل يوجد في الصين وأمريكا وكل بقاع العالم وليس في الإمارات وحدها، ومادامت الكتابة تنبني أساساً على الحرية والتجريب ، فلماذا سنحاكم هذه الكتابات ونفرض عليها قواعد جاهزة باعتبارها القواعد الأسمى والمقدسة التي لا يمكن تجاوزها، ينبغي عوض ذلك أن نوجه اهتمامنا إلى الوجه الإيجابي وهو وجود حركة ثقافية تنتج وتستهلك الكتاب، لابد من الترقب بصبر وتأن دخول الرواية الإماراتية في المتحول والمتغير لتفكيك مراحلها الانتقالية واتضاح جذورها وأبعادها واستشراف تداعياتها المستقبلية، الرواية الإماراتية تتهيأ الآن للخروج من طورها الأولي لتدخل مؤخراً في سن الأربعين، ومن المعلوم بأن الأربعين عمر سحري تنضج فيه أغلب عناصر الوجود، وهو عمر البحث عن الحقيقة والأسئلة والشك، ومن الشك تولد الروايات العميقة والإنسانية الكونية، لذا علينا أن نتريث، وأن نستعد لقدوم المفاجأة بعد أن بدأنا بتخطي عتبة الأربعين والدخول في عوالمه .في المقابل هناك من يسألنا عن أسباب الظهور المتأخر للسرد في الإمارات، ويرجو منا تقديم نبذة تعريفية عن واقع المشهد الروائي في الإمارات، كوننا أحد أفراده المجربين، أتوقع أن مسألة البحث عن مسببات التأخر السردي تحتاج إلى الكثير من التدارس والجهد البحثي والقراءات المتأنية من وجهة نظر الباحث النقدي والمحلل الاجتماعي، فنحن الكتاب لا يمكننا أن نقدم استطلاعاً رؤيوياً شافياً كوننا من الأيادي المشتغلة في استمرارية نمو المشهد والأفراد المحركين فيه بنتاجاتنا الأدبية المتواضعة .
لكي تحكم على مشهد ما بكل أمانة ومصداقية من دون تحيز عليك أولاً أن تكون خارجه، تبصر فيه بحكمة وتدرس قياساته وأبعاده وأنت خارج حيزه، خارج الحيز يمنحك تصوراً أشمل بكل الجهات من دون الميل إلى زاوية على حساب أخرى .
أنا متفائلة دائماً لمستقبل الرواية الإماراتية، بل ومتحمسة، أثق بأنها ستصل في الزمن المقبل إلى رقي ونضج ووعي كبير، بحيث تنافس الروايات العربية والعالمية، فقط علينا أن نحسن الظن بها دائماً، وأرى أن تأخر ولادة السرد الإماراتي لهو تأخر حميد وخيّر على حاضر ومستقبل السرد في الإمارات، فقد أفرز هذا التأخر وعياً حداثياً ونضجاً كافيين في امتلاك عدة السرد وأدواته. 
لازال السرد في الإمارات يتطلع للنضج وتخطي عتبة العزلة والاختفاء، ظاهرة ظهور روائي أو قاص ثم اختفائه عن الساحة تعد غريبة فعلًا عن المشهد الثقافي الإماراتي منذ مطلع التسعينات، حري بنقادنا أن يتساءلوا عن أسباب ذلك الاختفاء، أليس الفعل النقدي المهاجم له ضلع في ذلك؟.
لكنني أكرر بأنني متفائلة جداً، فربما اضمحلال التراكم الروائي في الإمارات يسوغ لنا أن ننتج محصولنا الروائي بناء على فضولنا الواسع واطلاعنا على محاصيل الغير من أبناء الوطن العربي والوطن الإنساني، ولاشك في أن في ذلك فرصة عظيمة لأن تخرج أقلام إماراتية بقوة، أقلام واعدة بالتنافس المشرّف على الساحة الثقافية الإماراتية .
أبشّر السائل عن المشهد الروائي في الإمارات بقرب هطول السحاب الروائي الغزير بالوعي بعد تخطي عتبة التكوّن، سيتدفق الفكر العالي في مستقبل الرواية الإماراتية، ستخرج الرواية من إطارها الروتيني التي حبست نفسها فيه زمناً أراه كافياً جداً، وستتجاوز عتبة الموضوعات المستهلكة كالصراع بين المرأة والرجل وغيرها من الموضوعات التي باتت عادية غير مشوقة .
أتوقع بأن تجنح الرواية الإماراتية إلى أبعاد أوسع في الرؤية والأسلوب والتقنية والثيمات، أن تحلق نحو السوريالية أو الفانتازيا والرمزية، أن تتحدث عن القضايا الإنسانية الكبرى، وأن تكسر خط السرد وتخاطب القارئ وتقلق وعيه وعقله الباطن في الوقت نفسه.
فقط ما نحن بحاجة إليه هو ذلك الانصهار الصادق بين الناقد والمؤلف، وتوعية بعض دور النشر المتلهفة على طباعة ما هو غير منتم لعالم الأدب بغية تسجيل أكبر رقم مبيعات والتعامل مع الكتاب كسلعة تجارية، إذ لابد من توعية دور النشر تلك بضرورة تقديم رواية تليق بالمشهد الثقافي وتفعّل من الحراك الأدبي في الإمارات، من دون تشويه للواقع وزعزعة وعي القارئ والاستهانة بذائقته.

كاتبة من الإمارات

لولوة المنصوري