قال العراق اليوم للدول العربية إنه يواجه حرباً على جبهتين داخلية يدافع فيها عن عرضه وكرامته وثرواته وسيادته وأبنائه وأخرى ضد الإرهاب نيابة عنهم جميعاً من دون استثناء لأنَّ كلَّ بلدانهم مُهدَّدة بالإرهاب. وقال إنه يمر الآن بظروف استثنائيّة تتطلـَّب دعماً وإسنادًا .. فيما يبحث مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية مشروع القرار يدعم العراق في حربه ضد كيان "داعش" ومساعدته في اغاثة النازحين الذين قارب عددهم الثلاثة ملايين نسمة.
وفي كلمته امام في اجتماع الدورة 143 العاديّة لمجلس جامعة الدول العربيّة في القاهرة اليوم، قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري "إن منطقتنا تواجه كلـُّها عاصفاً جديداً يُشكـِّل تحدِّياً أساسيّاً رُبَّما لم تألفه حِقـَب التاريخ من قبل إنـَّه عاصف الإرهاب الذي جعل المُسلِمين ضحيّة أساسيّة على مُستوى المصاديق والأفراد، بل شكـَّل تحدِّياً حقيقيّاً للإسلام كفكر، وقِيَم، ودين، ذلك الدين الذي انطلق من هذه المنطقة وانتشر في رُبُوع العالم، ونشر الحُبَّ، والثقة، والطمأنينة، والسلام".
وشدد على أن الإسلام براء من الإرهاب لكن ثقافة الارهاب هذه سبقتها ثقافة أخرى، ثقافة السخط، والكراهيّة، والحقد، سبقتها ثقافة الاستفزاز لقِيَم الإسلام، وسبقتها ثقافات الاحتلال، وثقافات الاعتداء على المُقدَّسات، وانتهاك حُرمة رسول الله فحوَّلت هذه القِيَم إلى قِيَم مُضادَّة وبعض السطحيِّين، والمُتشبِّهين بالمثقفين بدأوا ينحتون لأنفسهم ثقافة الثأر، والاستيلاء، والثورة على كلِّ شيء، وانضمَّ إليهم إعلام التشويه، الإعلام المأجور الذي تنحَّى عن موقعه كسلطة رابعة مُحترَمة وكريمة لينحاز بحيث لا يتناول مُفرَدات الواقع كما هو، بل يُحاوِل أن يُضخـِّم ما يشتهي، ويُقلـِّص ما يشتهي. وقال "عندما تنظر إلى الإعلام بعين الحقيقة تجد أنَّ هناك بوناً شاسعاً بين الواقع وبين وبين ما يتكلم به على هذا الواقع فلو لم أعِش العراق، وأنظر إلى شاشات التلفزيون لتصوَّرت أنَّ العراق غابة، وأنَّ ساكنيه وُحوش".
وخاطب الجعفري نظرائه العرب قائلاً "لا تقرأوا الشُعُوب من خلال إعلام مُزيَّف اقرأوا الشُعُوب من خلال أبنائها اقرأوا تاريخها وحاضرها من خلال حقيقة أبنائها، ما قرأنا ليبيا إلا من خلال عمر المُختار ولم نقرأ المغرب إلا من خلال عبدالكريم الخطابيّ، ولم نقرأ فلسطين إلا من خلال شهدائها الحقيقيِّين، ولم نقرأ الجزائر إلا من خلال عبدالقادر الحسينيِّ الجزائريّ، إقرأوها من خلال أبنائها، أمّا إعلام الزيف هذا فلا يُعطي الحقيقة كما هي.. الإعلام المُزيَّف يقرأ، ويكتب، ويُصوِّر كما يشتهي".
واضاف "ذكّرني الأخ وزير خارجيّة لبنان بسرجون الأكدي، فوقفتُ عنده قبل 2230 سنة (ق.م) حين أشار بإصبعه إلى أرض بغداد، ولم يكن اسمها (بغداد) حينذاك، وقال: (مَن يحكم قبّة العالم يتحكّم برياحها الأربعة).
واضاف ان العراق اليوم في الخط الأول من المُواجَهة ضدَّ حرب عالميَّة حقيقيّة اسمها (حرب الإرهاب)، لم تبدأ بالعراق، وقد لا تنتهي بالعراق، فلم يكن العراق البلد الأول، وقد لا يكون البلد الأخير "لذا نحن نواجه حرباً على جبهتين، الجبهة الداخليّة نواجه أصالة عن أعراضنا، وكرامتنا، وثرواتنا، وسيادتنا، وعن كلِّ أبنائنا، وحرب نيابة عنكم جميعاً من دون استثناء لأنَّ كلَّ بلدانكم مُهدَّدة بالإرهاب".
وقال "الإرهاب ضَرَبَ دولاً في العُمق الديمقراطيِّ في كندا، وفي فرنسا، وفي السويد، وفي مُختلِف مناطق العالم، وكلُّ الدول مُهدَّدة بالإرهاب، وقد قلنا منذ 2004: الإرهاب لا دين له، ولا وطن له، وها هو اليوم ينشر ظلـَّه على كلِّ دول العالم، وأقول لكم: سمَّى نفسه الإسلام، والإسلام منه براء، وسرعان ما سينتشر في أمم أخرى، وسينتحل في المُجتمَعات الكوفوشيوسيّة صفة ًكوفوشيوسيّة، وفي المُجتمَعات البوذيّة سيعكس صفة بوذيّة، وفي كلِّ بلد سينتشر؛ لأنـَّه ليس تعبيراً عن قِيَم، ومبادئ، بل تعبير عن نزعة التمرُّد، وثقافة الاستيلاء، ويخرج، وينشز عن كلِّ الأعراف. هذه هي حقيقة الإرهاب".
واكد انه "إنه خُرُوج عن الطبع البشريِّ، ولا أحد يُغوينا، ويجعلنا نصدِّق بأنَّ الإسلام بفكره، وقِيَمه، وأمّته، وتاريخه يُبيح لأحد أن يقتل آخر بالطريقة التي ترونها في مصر، وفي العراق، وفي لبيبا، وفي الأردن"..
وزاد الجعفري قائلا: "نحن في العراق اليوم نمضي بكلِّ مُكوِّناتنا لصياغة العمليّة السياسيّة الجديدة، نعم.. الإرهاب يُحرِّك نزعات الشذوذ لكنه يستفيد من المُجتمَعات المُتنوِّعة التكوين، وهي مُؤهَّلة، فيُحوِّل التكوين المُتكامِل إلى تكوين مُتقاتِل بين الثنائيّات؛ لذا تمضي الحكومة الوطنيّة اليوم، وحققت نجاحات باهرة على أرض العراق عسكريّاً، وكانت قد بدأت أولاً بتنظيم صفوفها، ورصِّها في الداخل العراقيِّ عن طريق إيجاد أجواء مُلائِمة للعمليّة السياسيّة فالبرلمان العراقيّ اليوم يُمثـَّل بمُكوِّناته كلَّ مُكوِّنات الشعب العراقيِّ، وما من مُفرَدة اجتماعيّة في المُجتمَع العراقيِّ وإلا وتجدونها موجودة في البرلمان العراقيِّ، بل موجودة في الحكومة العراقيّة بنِسَب تتناسب مع حقيقة حُجُومهم في العراق؛ حتى نقطع الطريق على هؤلاء".
وتابع: "وتشكَّلت الحكومة، وسبق تشكيل الحكومة ميثاق شرف من عشرين نقطة كان إحدى هذه النقاط هو الاتفاق على حلِّ المشاكل المُتعدِّدة، ورصَّت الحكومة الاتحاديّة صفها مع حكومة الإقليم، وعملت على إشراك كلِّ القوى الوطنيّة، ونزعت فتيل الحالة الطائفيّة، واليوم المُكوِّنات العراقيّة بخلفيّاتها الدينيّة، والمذهبيّة، والسياسيّة، والقوميّة تجدونها تنعكس بشكل دقيق في الأطر، ولا تحتاج القضيّة جدول لوغاريتمات، ولا مكرسكوب إنما انظروا إلى الرئاسات التي تظهر في التلفاز. كلُّ مُكوِّنات الشعب العراقيِّ موجودة فيه لذا لم يخرج وطنيّ واحد عن الحكومة العراقيّة".
وأضاف: "نحترم كلَّ الآراء، وحتى الذين يُخالِفونا، ولكننا نقول بكلِّ اعتزاز، ومن دون غرور: إنَّ العمليّة في العراق تمشي بشكل تنسجم بداخلها، كما أنَّ الحكومة العراقيّة عازمة على فتح صفحة جديدة من العلاقات مع كلِّ دول العالم بدءاً بدول الجوار والدول العربيّة انتهاءً بدول العالم المُتحضِّر الجديد، ونعتبر العلاقات مع كلِّ دولة أصلاً من الأصول؛ لذا نشكر لكلِّ هذه الدول استجابتها، وتفاعُلها، ودعمها للعراق".
وأشار الجعفري إلى أن العراق يمر الآن بظروف استثنائيّة تتطلـَّب دعماً، وهذه من الاستحقاقات التي ترتـَّبت على الجرائم التي ارتكبتها الحركات الإرهابيّة في العراق لذا أدعوكم إلى المزيد من الإسناد، وأنا شكرتُ كلَّ دول العالم على مُشارَكتهم، ومُساعَدتهم للعراق بخاصّة من كانت لهم استجابة سريعة في منبر نيويورك، وباريس، وجدّة عندما التقينا سويّة، ومنها دول عربيّة، وإسلاميّة، وأوروبيّة، وكذلك دول شرق آسيا، وأميركا، وأستراليا.. كلُّ هذه الدول دخلت، وساهمت".
واشار الى ان "أصعب شيء في المُواجَهة في الحرب البرّيّة هو الجنديّ والدم المُتدفـِّق، والمُتشخـِّب اليوم هو من عُرُوق العراقيِّين، وهذا ما نـُقدِّمه نحن اليوم، ولا نـُريد أكثر من ذلك، أمّا الأمور الأخرى الإنسانيّة من دعم آخر فشعبنا بحاجة إلى ذلك، إذ إنـَّنا نـُقاتِل بالنيابة، ونأمل منكم أن ترتقوا إلى مُستوى هذه المسؤوليّات".
وشدد وزير الخارجية العراقية على ضرورة ان تكون "الجامعة العربيّة جامعة عربيّة حقيقيّة، وأيُّ ملفٍّ من ملفات العالم المُلتهـِبة يجب أن ندخله، ونـُفكـِّر أولاً من بوَّابة السلم، والأمن، وكلُّ المشاكل تمظهرت بأشكال مُختلِفة لكنَّ المُحرِّك وراءها واحد".
مشروع قرار لدعم العراق ضد داعش واغاثة نازحيه
وعلى الصعيد، نفسه اكد الجعفريّ خلال اجتماعه في القاهرة مع الامين العام للجمعة العربية نبيل العربي ان العراق ليس بحاجة إلى تدخـُّل قوات أجنبيّة مُشيداً باستبسال القوات العراقيّة وقوات الحشد الشعبيّ، والانتصارات الكبيرة التي تحققها.. حيث يناقش مجلس الجامعة مشروع قرار بدعم العراق في حربه ضد كيان "داعش" ويدين الجرائم والهجمات الإرهابية التي يرتكبها هذا التنظيم.
وشدد الجعفريّ على أنَّ الإرهاب الموجود على الأرض العراقيّة إرهاب عالميّ داعياً إلى ضرورة أن يكون الردُّ عالميّاً أيضاً ؛ لمنع انتشار هذا الخطر إلى الدول الأخرى. واشار الى ان سيطرة عصابات داعش الإرهابيّة على أراضٍ عراقيّة تسبَّبت بنزوح الآلاف من العوائل، وتعيش أحوالاً سيِّئة، علاوة على البُنى التحتيّة التي خرَّبتها عصابات الإرهاب، والأماكن الأثريّة .واكد الجعفري على أهمّيّة دعم العراق والوقوف إلى جانبه ، مُعلـِّلاً بأنَّ العراق يخوض اليوم حرباً بالنيابة عن العرب، والعالم.
وتأتي مباحثات الجعفري الذي يزور الجامعة العربية للمرة الأولى منذ توليه مهامه ويرأس وفد العراق في اجتماعات وزراء الخارجية العرب مع انطلاق الدورة العادية 143 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية والتي تناقش مشروع قرار يدين تدمير التراث الديني والثقافي في العراق على يد التنظيمات الإرهابية.
ويدعم مشروع القرار العراق في حربه ضد كيان "داعش" ويدين الجرائم والهجمات الإرهابية التي يرتكبها هذا التنظيم .. كما يدعو إلى تقديم الدعم والمساندة للعراق لغرض إغاثة النازحين داخليا الذين تركوا منازلهم ومصالحهم نتيجة سيطرة داعش على مناطقهم بالإضافة إلى اللاجئين السوريين.
ويطالب مشروع القرار بتفعيل مجلس الدفاع العربي المشترك للجامعة العربية بالشكل الذي يأخذ بنظر الاعتبار الأخطار المحدقة بجميع الدول العربية والتي تهدد الأمن القومي العربي.
ومن المقرر ان يناقش الاجتماع الوزاري أيضا مشروع قرار مقدم من العراق يجرم استخدام منشآت الري في الحروب وأعمال الإرهاب ويدعو الى المحافظة على سلامة السدود ومنشآت الري الرئيسة من أعمال الإرهاب وإدارة الموارد المائية لخدمة الأغراض الإنسانية والتنمية المستدامة.
ويؤكد مشروع القرار دعم حقوق العراق المائية من خلال اتخاذ مواقف مشتركة لمواجهة سياسات دول الجوار(تركيا وإيران) في استغلال مياه الأنهار المشتركة دون مراعاة لحقوق العراق وعدم المساهمة في التمويل والاستثمار في مشاريع الري والسدود ضمن أحواض الأنهار المشتركة مع دول جوار العراق ما لم يتم التوصل إلى اتفاق يحدد حصة كل دولة من المياه.
ايلاف