ينتظر الشارع الوطني بفارغ الصبر جلوس الأطراف السياسية في البلد علي طاولة الحوار،وتتجه المعارضة إلي قبول الدخول في الحوار مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكن قبول المعارضة(أقصد المنتدي الوطني للديمقراطية والوحدة أكبر تكتل معارض في موريتانيا) لهذا الحوار مشروط بتنفيذ ممهدات وصف تنفيذها بأنه يضفي مستوي من الجدية علي الحوار المنتظر.
ويشترط المنتدي نقاط اعتبرها ممهدات وتنقسم ممهداته إلى ثلاثة مراحل ، مرحلة الممهدات التي يجب على النظام تنفيذها قبل الدخول معه في الحوار وتتضمن عشرة نقاط وهي :تسوية وضعية كتيبة الأمن الرئاسي "بازب"، تصريح رئيس الجمهورية بممتلكاته،تخفيض الأسعار،عدم المساس بالدستور،إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعدول عن قمع الاحتجاجات السلمية،تسهيل تقييد المواطنين على سجل الحالة المدنية في الداخل والخارج،فتح وسائل الإعلام العمومية،إلغاء الإجراءات التعسفية المتخذة ضد الصحفي ماموني ولد المختار ، والقاضي ولد النييني ،تطبيق القوانين المعرفة والمجرمة للعبودية،إعادة عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم"،والطلاب المفصولين.
أما المرحلة الثانية يضيف المنتدي فهي عبارة عن التزامات موقعة من طرف الرئيس يتعهد من خلالها بتنفيذ مجموعة من القضايا وصلت هي الأخرى إلى عشرة نقاط هي :وقوف الرئيس على نفس المسافة من جميع الفرقاء السياسيين،التزام الرئيس ببناء نظام قضائي مستقل،إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسية،التزام الرئيس بتنظيم انتخابات توافقية،تعيين حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة لتطبيق مخرجات الحوار،اختيار توافقي لمدراء مؤسسات الإعلام العمومي،التزام المنتدى بدعم الحكومة التوافقية من أجل تطبيق مخرجات الحوار،التزام الطرفين بترجمة نقاط الاتفاق كمخرجات للحوار،وضع جدول زمني للحوار،كل إخلال بهذه الالتزامات يعطي للطرف الأخر الحق في التنصل من مخرجات الحوار.
فيما تتضمن المرحلة الثالثة عدة نقاط من بينها مايلي: الحكامة الراشدة،العبودية،الأمن العمومي والخارجي،استقلالية القضاء،حياد الإدارة.
وتقدمت الحكومة الموريتانية قبل عدة أسابيع بوثيقة لأحزاب المعارضة من أجل عرض وجهة نظرها حول موضوع الحوار السياسي لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ عدة سنوات.
وقد تضمنت الوثيقة التي تقدمت بها الحكومة كأرضية للنقاش 15 نقطة من أهمها: بناء الثقة بين السلطة والمعارضة، وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية توافقية، ومنع تدخل الجيش في الأنشطة السياسية، ومواضيع محاربة الفساد، والشفافية في تسيير المال العام.
وأجري مولاي ولد محمد الأغظف الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية في موريتانيا- منذ عودته إلي مهامه الرسمية من جديد- اتصالات مباشرة مع عدد من رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة، وذلك في إطار مساع تبذلها الحكومة لتنظيم "حوار وطني شامل"، ينهي 7 سنوات من القطيعة السياسية بين النظام الموريتاني والمعارضة الراديكالية أو التقليدية.
وجرت تلك الاتصالات بين قيادات الحكومة الموريتانية والمعارضة في سرية تامة، ووصفت بأنها "لقاءات تمهيدية" من شأنها أن تساهم في إحداث تقارب في وجهات النظر بين الطرفين، وتحديد المحاور التي سيتناولها الحوار، خاصة في ظل إصرار الحكومة على تنظيم هذا الحوار خلال العام الحالي.
كما جرت خلال السنوات الأخيرة عدة محاولات لإطلاق حوار سياسي بين النظام والمعارضة "التقليدية"(أقصد المنتدي حاليا)، باءت بالفشل أو لم يكتب لها النجاح، وتوقفت عند الجلسات التمهيدية بسبب ما يقول مراقبون إنها "أزمة ثقة حادة" بين النظام وأجزاء من المعارضة،فالمعاهدة سبق أن دخلت في حوار مع النظام في العام 2011 .
فيما اقترح الرئيس الدوري لكتلة "المعاهدة"مسعود ولد بلخير، في وثيقة أصدرها يناير الماضي، أن يمر الحوار المرتقب بأربع مراحل، تبدأ بإعادة بناء الثقة بين النظام والمعارضة، وذلك من خلال لقاءات مباشرة بين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وعدد من قيادات المعارضة، ومن أبرزهم الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة أحمد ولد داداه.
وقال ولد بلخير في وثيقته إنه لبناء الثقة بين الطرفين، لا بد أن "تلتزم المعارضة بعدم انتهاج أساليب غير سلمية للوصول إلى الحكم، مقابل تعهد ولد عبد العزيز بعدم المساس بعدد الولايتين الرئاسيتين المحددة في الدستور، وأن يتعهد رئيس الجمهورية بالامتناع عن الترشح لمأمورية ثالثة، وألا يحاول فرض من سيخلفه في الرئاسة".
بيد أن منتدي المعارضة تحفظ على بعض نقاط مسودة الحوار المقدمة من طرف الحكومة، خاصة النقطة المتعلقة بتعديل السن القانوني للترشح باعتبار ذلك يمس بالدستور الموريتاني، الذي يجب أن يتم الإبقاء عليه بحاله، حسب بيان أصدره المنتدى قبل أشهر.
وقاطعت أطياف واسعة من المعارضة الموريتانية الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو المنصرم، احتجاجا على رفض السلطات الاستجابة لبعض الشروط المتعلقة بالإشراف السياسي عليها، وحياد الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة النظر في مهام وعمل الوكالة المسؤولة عن الوثائق المدنية، والمجلس الدستوري الذي يعد الحكم في قضايا الانتخابات.
وقد سبق أن قاطعت منسقية المعارضة(المنتدي حالي) الحوار المنظم عام 2011، ونظمت مظاهرات شعبية عام 2012، طالبت خلالها برحيل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وأكد مراقبون للشأن "أن نتائج الحوار لن تحمل في طياتها تغييرات جوهرية تتعلق بتطوير المكتسبات الديمقراطية للبلاد، مشيرين" إلى أن مآرب النظام من الحوار قد تكون فقط لتسكين حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي التي تعيشها البلاد منذ فترة"،مستبعدين "أن يقدم النظام تنازلات كبيرة للمعارضة الموريتانية "كالسماح لها بالمشاركة في حكومة وطنية لإدارة البلاد وضمان حياد المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية"، معتبرين" أن تنازلات النظام ستقتصر على الجزء البسيط من مطالب المعارضة" حسب قولهم.
ولم يستبعد المراقبون "أن يقوم النظام بحل البرلمان والمجالس المحلية لضمان مشاركة أطراف المعارضة التي قاطعتها، وبإجراء تعديلات على المجلس الدستوري واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بغية خلق ظروف جديدة تشجع التنافس الانتخابي".
في حين يري مراقبون آخرون"أن الأجواء في هذه الفترة ليست بالمناسبة لإطلاق حوار سياسي باعتبار رفض الحكومة إجراء الحوار مع عمال أكبر شركة منجمية في البلاد، فالمعارضة لن تقبل حاليا الحوار مع حكومة تتعرض لانتقادات واسعة وتواجه إضرابا يعتبر الأكثر تأثيرا على الاقتصاد الوطني في تاريخ البلاد"، وفق قولهم.
و يرون -كذلك-"أن النظام مقبل على إرساء تحولات سياسية واجتماعية كبيرة من خلال الحوار المنتظر،و أن جدية النظام في الحوار السياسي تتضح من خلال قبوله لنقاش كافة القضايا العالقة دون "شروط مسبقة"، حسب قولهم.
ولا يستبعد المراقبون " أن يتضمن الحوار المساس بدستور البلاد من أجل السماح للرئيس الحالي بالترشح لولاية ثالثة، كما يروج له البعض، و أن الرئيس أكد على احترامه لمقتضيات الدستور الموريتاني التي تمنعه من الترشح لفترة ثالثة..".
ويسود تخوف من أن تحاول الحكومة إدراج التعديلات الدستورية المشار إليها ضمن نقاط الحوار المتعثر.
وقد وصل ولد عبد العزيز، بعد أن كان جنرالا في الجيش، إلى الحكم في موريتانيا عام 2008 بانقلاب عسكري أطاح بحكم الرئيس المدني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وهو الانقلاب الذي واجه معارضة قوية من قبل عدد كبير من الأحزاب، وأدخل البلاد في أزمة سياسية انتهت بتوقيع اتفاق في العاصمة السنغالية دكار عام 2009، تحت رعاية فرنسية وبوساطة سنغالية.
وأسفر اتفاق دكار عن انتخابات رئاسية فاز ولد عبد العزيز في شوطها الأول، بيد أن الأزمة السياسية تجددت بعد أشهر من تلك الانتخابات، حيث اتهمت المعارضة-حينها- النظام الحاكم بأنه لم يطبق من اتفاق دكار إلا ما يتعلق بالانتخابات التي منحته الشرعية الدولية، فيما اتهم ولد عبد العزيز المعارضة بأنها هي أول من نقض اتفاق دكار بعدم اعترافها بنتائج الانتخابات، لتبدأ منذ ذلك الوقت "أزمة ثقة"بين الطرفين.
وأعيد انتخاب ولد عبد العزيز لولاية ثانية بعد نجاحه في الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية في يونيو الماضي بنسبة فاقت 80٪ وسط مقاطعة أطياف واسعة من المعارضة.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أبدى في أكثر من مناسبة استعداده ورغبته في الحوار مع المعارضة، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية التي نظمت العام الماضي، وقاطعتها أطياف واسعة من المعارضة، والتي فاز فيها بولاية رئاسية هي الثانية والأخيرة بحسب الدستور الموريتاني.
غير أن بعض الأوساط المعارضة تشكك في نيات النظام، وتشير تلك الأوساط" إلى أن رغبة ولد عبد العزيز في الحوار سببها سعيه لتعديل الدستور والحصول على ولاية رئاسية ثالثة، وهو ما لن يتم من دون إشراك المعارضة في اللعبة"، فيما أكدت أغلب أحزاب المعارضة رفضها التام لأي تغيير قد يطال الدستور.
وفي جديد موضوع الحوار فقد وقعت اللجنة السباعية المكلفة بصياغة ممهدات الحوار المشكلة من شخصيات وأحزاب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الخميس وثيقتها للحوار المقدمة إلى النظام بمويتانيا.
ووقع أعضاء اللجنة السبعة على الصيغة النهائية للوثيقة بنسختيها العربية والفرنسية، وأصبحت جاهزة لتسلم إلى مولاي ولد محمد الأغظف الأمين العام للرئاسة المكلف من طرف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بملف الحوار.
ومهما يكن من أمر فإن الرأي الوطني العام ينتظر بفارغ الصبر من خلال الاتصالات بين النظام والمعارضة إلي جلوس كل الأطياف السياسية علي طاولة الحوار من جديد،فهل يتنازل الفرقاء السياسيين عن سقف شروطهم لمصلحة موريتانيا؟.
بقلم:عبد الرزاق ولد سيدي محمد