في شمال البلاد، وبالتحديد في جوهرة الشمال ازويرات عاصمة البلاد الاقتصادية نواذيبو، يقارع نفر من أشراف أبناء هذا الوطن الظلم والحيف، يسطرون صفحات منيرة في تاريخ هذا الوطن المسحوق.. إنهم عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم"، الذين لطالما استغلتهم هذه الشركة وكدس مدرائها وعصابة الفساد الحاكمة الأموال من جبين عرقهم.
لقد استطاع عمال سنيم إسماع صوتهم بوحدتهم وإصرارهم منقطع النظير.. تحدو الإغراءات ورفضوا الرضوخ لمحاولات الابتزاز، وهاهم الآن على أبواب تحقيق النصر بعد أن شلوا عمل الشركة وأربكوا حسابات العصابة الحاكمة لتدفع بمسئوليها السامين وقادتها العسكريين لمحاولة احتواء الأزمة..
لكن دعوننا ننظر لإضراب عمال سنيم من زاوية أخرى.
لا شك أن عمال سنيم هم أحق الناس في الحصول على نصيبهم من عائداتها لأنهم يفنون أرواحهم ويعرضون أنفسهم للمخاطر في سبيل استخراج تلك "الثروة الوطنية".
لكن أليس لهذا الشعب المطحون نصيب هو الآخر من تلك الثروة؟ لماذا يضرب عمال سنيم ويبقى الشعب حبيس صمته؟ متى كان حكام هذا البلد العسكريون يوزعون على الناس حقوقهم في بيوتهم؟!
لقد من الله على أبناء هذا الوطن بثروات هائلة (السمك، الحديد، ، النحاس، الفوسفات، الذهب، اليورانيوم، الكوارتز، البترول، المياه، الثروة الحيوانية، الأراضي الزراعية....)، وفي الحالة الطبيعية فإن هذه الثروات قادرة على تحقيق الرفاه لشعب لا يتجاوز تعداده 4 ملايين نسمة، لكن أنظمة الفساد التي تعاقبت على حكم البلاد حولت ريع هذه الثروات لجيوبها وجيوب المقربين من قادتها ووهبتها للدول الاستعمارية وشركاتها العابرة للقرات، حتى تؤمن حكمها..
إضراب عمال سنيم وما آل إليه ويؤول إليه الآن، يشكل رسالة قوية لكل فئات المجتمع المحرومة –وما أكثرها- للالتحاق بالركب والتصدي لحالة الغبن التي تعيشها، فليس من المنطقي ولا المعقول أن تظل ثروة شعب بأكمل حبيسة لجيوب عصابة من المفسدين، في الوقت الذي ينتشر الفقر في ربوع البلد انتشار النار في الهشيم!
الفساد يغض مضجع هذه الأرض ويقوض دعائم وجود ديمقراطية وحرية وعدالة حقيقة بل ويهدد أمن البلاد واستقرارها، ويكرّس روح الانتقام داخل المجتمع وثقافةَ عدم الثقة في القوانين، ويعرقل أي تغيير أو إصلاح "آمن"، وهذا ما يتيح بطبيعة الحال –كما أثبتت التجارب- المجال أمام أشكال أخرى من التغيير ذات طوابع فئوية وغير مأمونة النتائج..
علينا أن نستشعر ونوقن أن الوطن لأبنائه جميعا، وليس لثلة قليلة منهم وإن كانت سيطرت عليه بالقوة.. وعلينا أن ندرك أن الحقوق تنتزع ولا تعطى فلم يسجل التاريخ يوما أن حاكما مستبدا وزع على المظلومين والمضطهدين حقوقهم وهم جالسون في بيوتهم يتابعون خطاباته على شاشة التلفاز!
ألا يعز في نفوسكم أن ترو المحسوبية والفساد تنخر جسد وطنكم وتفتك بكم وبه، من أعدائكم وأعدائه، المتاجرين به، العابثين بمقدراته وإنسانه، المتبجحين صباحا ومساءا بحبه؟!
--
للتواصل:
الهاتف : 79034394083+
البريد الإليكتروني : [email protected]