ظاهرياً، ولكن ظاهرياً فقط، تبدو رحلة الجنرال عزيز إلى "الشرق" أقرب إلى رحلة همام في أمستردام. أظهر قدم عهده بالدِّراسة عندما أمسك بالطبشور. كشف عن تعثر المشاريع التي وعد بها. ارتكب أخطاءً اجتماعية وتشريفية. فضّلَ، وإن لم يقصد، بعض الوُجهاء على منافسيهم. جرحَ بعض المجموعات بتجاوُزِها أو رفض دعواتِها. لم يقف دقيقة صمت على ضحايا استقباله. خطأ طائعي شهير ارتُكِبَ في تجكجة والنعمة. ارتكب خطيئة الإسكندر ضد أرسطو عندما بهدل، وهو عسكري متغلِّب، رئيساً سابقاً لأهم صرحٍ علمي بالبلد.
ولكن من الحماقة الاعتقاد أن زيارته غبيّة. منذ فبراير 2009، أي قبل اتفاق دكار بستة أشهر، والجنرال عزيز يحوم في الجمهورية قائماً بحملة انتخابية. في يوليو أُعطيت للمعارضة فرصة أسبوعين فقط للقيام بحملتها. كان الجنرال عزيز بذلك الوقت قد قام بثلاث حملات رئاسية: (حملة نوفمبرـ ابريل) التبشيرية بالإنقلاب؛ وحملة 6/6 الوجيزة؛ وحملة يونيوـأغسطس 2009 التي كان يقومُ بها حتى أثناء اتفاق دكار. هذا عدا حملة الهواتف والخط الساخن. ورغم أن الجنرال عزيز أغضب بعض القوى التقليدية في حملة 6/6 إلاّ أنّه عاد وأرضاها في الحملة اللاحقة، وخصوصاً الفاعلين الوازنين كورثة وجيه لعصابة، أو قام باستبدالِها بقوى تقليدية جديدة كما فعل مثلاً في كَرو وتجكجة.
كانت المعارضة كما هي الآن ترشف الشاي وتسخر سخرية الزوايا. وترفضُ المعارضة اليوم رؤية أي جانب استيراتيجي في زيارة الجنرال عزيز غير مشروع تعديل الدستور، مع أن هذه المعركة غير عاجلة للجنرال عزيز، ولا تستدعي منه طرق الحديد حالياً. وما يهمُّه حالياً هو تبطيل انتخابات 2014 والدخول في 2016 في انتخابات رئاسية يفوز بها على معارضة حقيقية وشرعية ويُطيل بها "تحبيظه" على البيض. ويجد الجنرال عزيز مصلحة في كسالة المعارضة، المشغولة بالتراشق أو بتصعيب شروط الحوار، وربما يُسرِّبُ إليها قصاصات تعديل الدستور لتنشغل بها لكي يشدّ حِزامه أثناء ذلك. في هذه الأثناء يقوم بإرضاء المُغاضبين ويطلق روزمانة جديدة من الوعود. إن قضيّته الأساسية هي الانتصار في "الشرق" بنسبة تزيد على 70%.
لقد نجحت المعارضة في السابق في كسب بعض القوى في "الشرق". وازداد حزب "تواصل" فيه بوافدين قبليين. ولكن الجنرال عزيز يريد ردّ الهاربين إلى الحظيرة. وإن فشل في لمِّ شمل الجميع بأحزابه الثلاثة فسيحاول أن يرمي بهم على هيئة كرة في مضرب بيجل ولد هُميد. ويعمل ييجل في الزيارة عمل "الذوّاقة". إنّه يرافق الملك: يتذوّقُ له طعامه مخافة السّم. وفي المقابل يحقُّ له أكل الفضلات. وفضلات الملك، بعكس فضلات الولي، بلا بركة. ولكنها قد تكون دسمة، خصوصاً إذا عُثِرَ من بين الرُّكام على فخذ ديك نجا من أسنان الملك الأكول.
والمُعارضة؟ مشكلتُها مشكلة أي قوة مثالية. أولاً هي غير قادرة على التنسيق بفعل اختلافاتِها البينية. هي غير قادرة على عمل ميداني، وخصوصاً انتخابي، موحّد. وديماغوجيوها ومثاليوها يُلجِمون قدرتَها على المناورة. إنّ المعارضة، هي كبومة مينيرف، لا تتحرّك إلاّ في الوقت الضائع. سيدفنهم أحياء مرةً أخرى.