جان كيري يطير الى بيروت طالبا من «حلفائه» هناك التزام الهدوء خائفا من تغيير «الستاتيكو» المحلي مطمئنا اياهم بانه سيبذل كل ما في وسعه بالا تكون تداعيات المشهد الانتخابي السوري كبيرة على الواقع اللبناني المباشر لاسيما وهم الذين ظلوا يمنون النفس ويعدون ايام الاسد «المعدودة» على مدى السنوات الثلاث الماضية دون جدوى!
لكنه وفي نفس الوقت يطلب وبشكل لا لبس فيه من روسيا وايران وحزب الله المساعدة في ايجاد حل في سوريا ….!
على المقلب الآخر تخرج علينا مستشارة الامن القومي الامريكي سوزان رايس لتعلن بان واشنطن تفكر جديا في تسليح المعارضة باسلحة فتاكة …!
كلام من خارج زمن الواقع ولا مجال لتنفيذه ويصلح للاستهلاك الداخلي والمؤقت فقط لاغير …!
انه التخبط الامريكي بعينه وتحديدا تخبط الرئيس اوباما والدائرة الضيقة المحيطة به والتي ما انفكت منذ تسلمت دفة «قيادة العالم» تطالب بحلول سياسية لازمات المنطقة كلها وعدم التورط بحروب جديدة ووقف العنف في كل مكان ومع ذلك عندما تريد مقاربة الملف السوري تراها تكابر وتعاند الزمن الذي لم يعد يلعب دورانه لصالحها …!
من جهة اخرى وعلى غير اتفاق مسبق وفي سباق واضح مع تسارع الاحداث الاقليمية والدولية لغير صالحها قررت ادارة اوباما تكليف وندي تشرمان مساعدة وزير الخارجية الامريكي بالتفاوض المباشر مع السيد عباس عراقتشي مساعد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف وكبير المفاوضين مع مجموعة الخمسة زائد واحد وجها لوجه في يومي التاسع والعاشر من حزيران/يونيو الجاري في جنيف …! الامر الذي دفع القيادة الايرانية لتطلب من وفدها النووي المفاوض ترتيب لقاء آخر سريع هدفه حفظ التوازن في الحركة الديبلوماسية النووية يفترض انه سيكون صريحا ومباشرا ومهما وربما نوعيا ومتحولا بين كبير المفاوضين اياه اي عباس عراقتشي مع نظيره الروسي يومي الحادي عشر والثاني عشر من حزيران/يونيو اي مباشرة بعد الانتهاء من اللقاء مع الامريكيين …!
وتأتي هذه التطورات وان كانت مهمة في حدود الشكل لا اكثر بنظر المتابعين لملف العلاقات الايرانية الامريكية لكنها تصبح مهمة لانها تأتي على خلفية ووقع نتائج الانتخابات الرئاسية السورية وما افرزته من واقع جديد لا يمكن لاحد انكاره …!
فالادارة الامريكية كما يؤكد متابعون مختصون بالشأن الامريكي والدولي ظهرت خلال الايام القليلة الماضية في حيرة من امرها ماذا تفعل بسوريا وهي التي فكرت كثيرا في طريقة لاخراج الاسد من عرينه ولو عبر ايجاد ما كانت تسميه بـ « تكافؤ الفرص الميدانية» لتقوم بالتغيير الذي تراه مناسبا لصالح اجندتها في المنطقة فاذا بها تفاجأ بتكريس غير مسبوق لبيئة غريمها فاق كل التوقعات …!
والفضل في ذلك البتة يعود للادارة السورية الحكيمة والتي ورغم كل الاستفزازات والضغوط والتعبئة الدولية ضدها ظلت ماضية قدما في مخططها الرامي بادارة الازمة بكل عقل بارد مدعومة بالادارة الايرانية الاكثر هدوءا و» برادة « وبحليف مصمم وقوي بما فيه الكفاية اسمه حزب الله قرر ان يقف هو وشريكه الايراني الى جانب الاسد حتى النهاية مشكلين بذلك معادلة سقف دولي حازم في مساندته ودعمه لدمشق قوامه الروس والصينيون.
وهكذا يمكن القول بان الثالث من حزيران/يونيو شكل منعطفا هاما ليس فقط في قواعد الاشتباك الديبلوماسي الاقليمي و الدولي بل ونقطة تحول مهمة في مستقبل ملفات اقليمية ودولية عديدة بما فيها المسألة الاوكرانية ومستقبل الكتلة الاورو آسيوية التي تعد لها كل من موسكو وطهران منذ مدة …
فالانتخابات الرئاسية السورية التي لم يتخيلها الغرب ان تمضي بسلام وتفضي الى ما افضت اليه من نتائج مذهلة اقلها تكريس وجود بيئة حاضنة للرئيس بشار حافظ الاسد جعلت من اي مناوئ له بحاجة الى معجزة ليقوم بالانقلاب عليه او حتى ايجاد تغييرات ولو شكلية في حكومته . واذا كان هذا هو الناتج الاولي للاستحقاق الرئاسي السوري على المستوى المحلي، فان ثمة من يتوقع تداعيات كبيرة له على المستوى الاقليمي ليس اقلها ضمان وتكريس انتخاب رئيس للبنان لا يمكن ان يكون الا الجنرال ميشيل عون وحكومة في العراق لا يمكن ان تكون الا برئاسة المالكي وهو ما لم تشتهه السعودية ولا تتمناه وحاولت ولا تزال منع حصوله دون جدوى …!
اللقاء الروسي السعودي المرتقب لن يأتي بجديد بقدر ما سيكون اعلانا وابلاغا روسيا للرياض كما فعلت واشنطن من قبل بضرورة ابعاد ما بقي من الصقور عن سدة الحكم والتفاعل الايجابي والبناء مع تحولات الاقليم والعالم…
باختصار شديد يمكن القول بان معركة عرين الاسد لم تكن معركة داخلية فحسب وعليه فان ما تكرس في الداخل السوري بشرعية شعبية للرئيس بشار حافظ الاسد سيوازيه تكريس واضح وملموس لتوازن قوى جديد على المستويين الاقليمي والدولي يجعل كفة حزب الله وحلفائه في لبنان هي الاقوى وكل من طهران وموسكو على المستوى العالمي هي الاعلى وهكذا الامر بالنسبة للعراق وسائر الملفات الساخنة الاخرى المختلف عليها بين القوى المتصارعة …
مايفسر تخبط واشنطن صعودا ونزولا هو محاولة ادارة اوباما الجمع بين ارضاء الاكثرية الجمهورية في الكونغرس وملاعبتها في منتصف الطريق لعلها تكسب رهان غلبتها في الانتخابات الفرعية القادمة …. وبين المضي بحزم في سياسة الانسحاب من ميادين الحروب المباشرة في مشرقنا او ما تسميه ادارة اوباما باعادة التموضع الاستراتيجي تمهيدا للانتقال لمواجهة اقتصادية مع كل من الصين وروسيا .
محمد صادق الحسيني