عندما يتكرر السؤال على أكثر من لسان وقلم في الغالب ربما يكون مغرضا، لماذا لم يقدم رئيس الجمهورية الجديد في مؤتمره الصحفي؟ أو يقدم هذا السؤال في صيغة قراءة للمؤتمر، يصبح من حقنا أن نتساءل لماذا لا تعبروا مباشرة عما تريدون الرئيس أن يقول فتريحونا وتستريحون؟
إن من يزايد على قناعة الرجل بحرية التعبير وحمايتها لها لا يعدو أن يكون كمن يريد حجب نور الشمس بغربال، لقد بدا الرجل واثقا من نفسه برفضه القاطع للتشويش على المؤتمر الصحفي، وعدم احترام الجلسة التي يحضرها،حتى لو كان التصرف نابعا عن "حسن نية"، فمن غير المقبول، حتى لو افترضنا خطأ مدير الجلسة، أن يأخذ أحدهم الميكرفون ويتدخل دون إذن،فهيبة رئيس الجمهورية ورمزيتها، يجب أن تكون محل إجماع، وبالتالي فالحزم الذي أبداه رئيس الجمهورية كان في محله ويحسب له لا عليه، ويؤكد حضوره الذهني والكامل، أما التفاصيل الأخرى التي حدثت بعد ذلك فلا يمكن أن تشكل جوهر الحدث، ثم إن سوابق الرجل مع الدفع بحرية الإعلام وتكريسها،ورفض الانتقاص منها، باعتبارها خطا أحمر يحتل ركن مكينا في برنامجه السياسي، كلها شواهد ومؤشرات تظهر تهافت الادعاءات بممارسته التعتيم على هذه الحرية، كما أن إصراره على تنظيم المؤتمرات واللقاءات الصحفية،كلها أمور من بين أخرى تكشف مدى تمسك الرجل بدور الإعلام وحريته.
لقد قدم الرئيس أكثر من جديد، لكن لمن يريد الجديد، لا من في نفسه حاجةيريدها أن تكون الجديد، إن التأكيد على أن "الممهدات" يجب أن تكون نقاط مدرجة في الحوار طرح موضوعي، يستبعد أن تكون النتائج مقدمات تماما كممارسة فرض الآراء من طرف واحد، فما كل ممهد يعتبر حقا لا يأتيه الباطل،فبعض الممهدات شخصيا اعتبر أنها سخيفة لا تستحق النقاش، أحرى أن تكون موضوع تطبيق، والتالي فلا مجال للقبول بديكتاتورية الأغلبية، أما أن تمارس من طرف أقلية الأقلية، التي هي جزء من المعارضة فتلك طامة كبرى.
الجديد أيضا أن الرئيس كشف للمستمع الفطن، أن المأمورية الثالثة هي ابتزاز واضح، لن يخضع له، ولن يجبر على إعلان موقفه بهذا الشأن تحت الضغط،خصوصا أن كل مواقفه السابقة تستبعد هذه الفكرة بدأ بالقسم وانتهاء بتصريحاته الأخيرة بخصوص تعديل الدستور ، ومع ذلك فقد كشف دون مواربة أن لا نية له في مأمورية ثالثة، عندما قال بالحرف الواحد " سأدقق في نهاية المأمورية"، وهذا الحديث يحمل دلاله عن مأموريته الحالية، فالمنطقالسليم يستبعد أن يكون التدقيق سيكون في المستقبل البعيد.
وبخصوص رجال الأعمال فقد كان الرجل صريحا عندما طالب بالبينة، وهذا حق تكلفه الشرائع والقوانين لكن هنا يجب أن نميز بين البينة وإلقاء الكلام على عواهنه.
وعن زيادة الرواتب فقد أحال الرئيس للقوانين التي تنظم هذا المجال، والتي تعطي لمجالس الإدارة صلاحية البت فيها، بناء على الاستقلالية المالية التي منح المشرع لهذه المؤسسات، أم أنكم تطالبونه بالتدخل وخرق هذه القوانين؟
أما الملفات القضائية، فإن التأكيد على استقلالية مرفق القضاء يفترض أن يكون محل إشادة، لا مجال لرفض ذلك المبدأ من خلال التشكيك في هذه الاستقلالية، مما يرسخ في أذهان الجميع أن هذا الاعوجاج يستحيل تقويمه،مع أن خطوات واسعة قطعت في مجال تكريس هذه الاستقلالية، لكن الرفض لهذه الخطوات يبقينا حبيسي التراكمات التي عانها هذا القطاع خلال المراحل السابقة.
وعما تسمونهم بأصدقائه، فأموال عمدة ازويرات التي صرح بها إنما تصنعون من الحبة قبة، ثم إن الرجل لم يخرق القانون الذي كان سابقا على تولى رئيس الجمهورية مقاليد السلطة، ومع ذلك فقد عمد إلى التحسين من هذا القانون.
أحمد ولد محمدو
كاتب واعلامي