تلبية لدعوة من التلفزة الموريتانية حضر نادي القضاة الموريتانيين برنامج "الحكومة في ميزان الشعب" الذي استضاف وزير العدل في حلقته الأخيرة يوم الثلاثاء 31 مارس 2015.
وقد استمعنا باهتمام كبير لأجوبة السيد الوزير على الأسئلة التي كانت متوقعة في مجملها، وأتاحت للمسؤول الأول عن القطاع الفرصة لإنارة الرأي العام حول مختلف الشواغل ذات الصلة بالقضاء والسجون.
ودون الخوض في تقييم أداء الرجل، رأينا أنه لزاما علينا أن نعلق على بعض ما ورد على لسانه في نقاط محددة:
1ـ خلال حديثه عن الاستقلالية التي مازالت مطلبا ملحا للجميع ـ قضاة ومتقاضين ـ أكد السيد الوزير أنه لم يتصل مطلقا ولم يطلب منه الاتصال بأي قاض جالس منذ توليه مقاليد الوزارة، ورغم أن اتصال الوزير بالقضاة ـ جالسين أو واقفين ـ ليس عيبا في المطلق حين تتوفر شروط الاستقلالية، ويكون الوزير مدركا لحدود العلاقة بينه مع القاضي. وفي جميع الأحوال لن يطلب أحد من الوزير تقديم دليل على ما قال بذلك الخصوص.
لكن الوزير لم يكتف بهذا الجانب, بل صرح في المقابل أنه لم يستجب لاستجداء التدخل والتأثير الذي طلبه قضاة عديدون منه مباشرة أو عن طريق وسطاء.
بهذا الكلام الأخير يكون السيد الوزير قد أساء إساءة بالغة للقضاة وللقطاع, ولذا فهو مطالب بالاعتذار علنا أو تقديم الدليل بتعيين القضاة الذين سعوا لطلب التدخل منه.
2ـ في معرض حديثه عن النصوص القانونية المنظمة للسلطة القضائية أرجع السيد الوزير عدم تقديمها لحد الساعة لخلافات القضاة حولها.
والحقيقة أن القضاة لم يختلفوا, بل طلبوا إعادة النظر في مشروع قدمته وزارة العدل إليهم، وخلال ورشة منظمة من طرف نادي القضاة الموريتانيين يومي31 /01 و 1/02/ 2015 تقدم النادي بمشروع لهذين النصين للسيد الوزير, ومنذ ذلك الحين ونحن نترقب كل أسبوع تقديم المشروعين إلى مجلس الوزراء.
لذلك كان على السيد الوزير أن لا يلقي باللائمة على القضاة بهذا الشأن، وهو الذي قرر إشراكهم بمحض إرادته فليس له أن يحمل القضاة مسؤولية تقصير الوزارة في القيام بالمهام الموكلة لها.
3ـ أثناء حديثه عن معوقات الإصلاح ذكر السيد الوزير أن غالبية القضاة لهم خلفية شرعية، وأنهم عاجزون عن التصدي للنزاعات المتعلقة بالتأمين والمصارف وغير ذلك من القضايا الخاضعة لقوانين خاصة.
هي إذن نفس المعزوفة القديمة التي عودنا عليها بعض المتغربين، ناسيا أو متناسيا, أن العدد الحالي للقضاة المقدر بمائتين وسبعين (270) قاضيا منهم مائتان على الأقل من خريجي المدارس النظامية ولهم شهادات في مختلف فروع القانون العام والخاص و الباقون -وإن كانت مؤهلاتهم شرعية- إلا أنهم خضعوا للتكوين في المدرسة الوطنية للإدارة وتدربوا مع نظرائهم على جميع المدونات القانونية المعمول بها في البلد.
وفي جميع الأحوال، يحق لنا أن نتساءل متى كانت الخلفية الشرعية عائقا في وجه إصلاح العدالة في بلد جميع مواطنيه مسلمون مالكيون والمصدر الوحيد لقوانينه هو الشريعة الاسلامية؟
نعتقد أن الوزير لم يكلف نفسه بعدُ عناء البحث عن معوقات الإصلاح, ويتضح ذلك جليا ما دام سيادته لم يقدم خطته للإصلاح رغم مرور عام ونصف على تكليفه بالقطاع.
4ـ وصف السيد الوزير نزلاء السجن المدني بأنهم لصوص، رغم أن من بينهم نسبة كبيرة لم تتم إدانتهم لحد الساعة مما يجعلهم يتمتعون بمبدأ البراءة الأصلية، وأنه حتى المدانون منهم ليس من مصلحتنا، أن ييأسوا كما شاء لهم السيد الوزير فثمة دائما ضوء في نهاية النفق، وحتى المحكوم عليهم بإدانات قاسية أو حتى بالإعدام قد يجيء اليوم الذي يتغير سلوكهم فتتغير ظروفهم.
أخيرا فإن الحديث عن القضاء وأحكام القضاة كثير المزالق لذلك ليس من اللائق أن توصف أحكام القضاة بالجور ولا أن يحكم عليهم بالعجز عن إقامة العدل، مهما فسدت أحوال القطاعات الأخرى، ومهما كلفت تلك الأحكام خزينة الدولة من مليارات.
وليس للسيد الوزير -وهو العليم بعدم جواز التدخل في الأعمال المنظورة من طرف القضاة منعا للتأثير عليهم- أن يستسهل تلك السبيل ويرمي بالكلام مرسلا ويصادر صلاحيات الجهات التي خولها القانون الرقابة على الأحكام والقرارات القضائية.
لقد انتظرنا من السيد الوزير أن يذكر بالظروف الصعبة للقضاة, ويطلب من ذلك المنبر تحسينها ومدهم بجميع وسائل العمل, وأن تسهر الدولة على توفير الضمانات الكفيلة بتحقيق الاستقلالية -واقعا لا شعارا- تجسيدا لما التزم به السيد رئيس الجمهورية, رئيس المجلس الأعلى للقضاء في خطابه بمناسبة أدائه اليمين لمأمورية ثانية بإصلاح القضاء ووضعه في صدارة اهتماماته.
نعم لاستقلالية القضاء, نعم للفصل بين السلطات.
المكتب التنفيذي