خلال زيارة الرئيس السابق المختار ولد داداه للملكة العربية السعودية في سبعينيات القرن الماضي أصر الملك فيصل على تسليمه هدية شخصية رمزية وضعت في حقيبة صغيرة كانت عبارة عن مليون دولار نقدا وأكد الملك في حينها أن الهدية شخصية ولا ترد وأنها موجهة منه شخصيا لعائلة الرئيس الخاصة.. فما كان من المختار ولد داداه إلا أن تقبلها بلباقة وشكر الملك فيصل على الالتفاتة الكريمة وقال إن عائلته الخاصة هي كل الشعب الموريتاني واستدعى وزير المالية ومدير التشريفات وأمر بتأمين وصول المبلغ لخزينة الدولة لكي يصرف في بناء مراكز صحية جديدة.
واليوم يزور محمد ولد عبد العزيز السعودية في ظروف أخرى وسياقات أخرى فما هو سقف المنتظر من الزيارة موريتانيا وسعوديا؟
طبعا تغيرت أشياء عديدة وجرت مياه كثيرة تحت جسور علاقات موريتانية سعودية قدرها أن تتعزز، فالشحنة الرمزية والعاطفية موجودة، لكن الدول تتعامل على اساس المصالح، وقد حصلت موريتانيا مقدما على دعم ترشيح ولد التاه مهندس انسيابية المرابحات السعودية الموريتانية، وحصلت السعودية على دعم فوري هي في أمس الحاجة إليه تمثل في مباركة موريتانيا ومساندتها لعاصفة الحزم.
لكن مطامح البلدين أبعد من ذلك بكثير، فالسعوديون يتطلعون إلي مشاركة موريتانيا في قوة عربية برية تؤمن ملاذا لهادي منصور في عدن وهم بحاجة إلي جهد دبلوماسي موريتاني لحشد الدعم الإسلامي على مستوى إفريقيا، ويرغبون رغبة جادة في حلحلة التحفظ الجزائري بشأن التدخل في اليمن، ويدفعون في اتجاه كبح المد الإيراني الشيعي في منطقة الغرب الاسلامي، ومعظم هذه القضايا تلامس هوى في نفوس السلطات الموريتانية التي تحتاج إلي تموقع عربي وإلي دعم مادي ملموس يعطي البلاد هامشا تفاوضيا أو سع مع الاتحاد الأروبي ويساعد في امتصاص أثار أزمة انخفاض أسعار المعادن.
ويعتقد بعض الخبراء أن السعودية بإمكانها انتشال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم أو شراؤها وبمقدورها تحفيز استثمارات كبيرة في مجال الزراعات المروية والتنمية الحيوانية، كما بإمكانهم دعم موقف موريتانيا لدي مؤسسات المال العربية والدولية، ولا يستبعد قبل كل هذا وذاك أن يمنحوا موريتانيا هبة مالية سريعة وأن يقدموا فورا كل لوازم تجهيز القوة الموريتانية المتوجهة إلي اليمن، على أن يترك الحسم في باقي المواضيع للجنة مشتركة موريتانية سعودية للتعاون تعقد في السعودية منتصف الشهر القادم.
كل مؤشرات الزيارة وما أحيط به الرئيس من حفاوة تؤشر إلي أنها كانت زيارة ناجحة بمقاييس تفعيل الشراكات الثنائية في مجالات مصنفة وأخرى غير مصنفة، كما أنها قد تكون أنجح زيارة قام بها رئيس موريتاني إلي السعودية في حقبة ما بعد المختار ولد داداه، وبالنسبة لموضوع هدية الملك فيصل رحمه الله التي كانت مدخلنا فقد يعيد التاريخ نفسه بأشكال وصور أخرى والناس أبناء زمانهم ويتصرفون حسب مرجعيات متغيرة.
أحميدوت ولد أعمر