أفلام ترقص على حافتي البوح والصمت

اثنين, 2014-07-07 03:04

 وسط اللامعقول السوري، وما أن انتهت امتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية العامّة في دمشق، والتي درس الكثير من مُتقدميها على ضوء الشموع كما في قديم الزمان، حتى أعلنت المؤسسة العامة للسينما عن إطلاق «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الأول»، بمناسبة العيد الذهبي للمؤسسة التي عرفت يوماً ما نشاطاً سينمائياً حقيقياً، وتأسّست عام 1963، وكان المهرجان وفق الأعراف المُتبعة منذ قرابة الأربعين عاماً، برعاية وزارة الثقافة، ووزيرتها اليوم الدكتورة لبانة مشوّح. 
تأتي هذه البادرة من المؤسسة العامة للسينما، في وقت خسرت فيه السينما السورية الكثير من مبدعيها، إمّا قتلى في مناطق الصراع المُسلّح، أو مُهجّرين خارج سوريا، وتطول قائمة الأسماء فتشمل شباباً حالماً كما سينمائيين ذوي خبرات قديمة. ذهاب القائمين على الشأن الثقافي في سوريا، فتح المجال لأسماء غير معروفة، لشباب جُدد، علّهم يردمون الهوّة التي خلفها غياب أبرز صنّاع السينما السورية الجديدة، تميّز بمراعاة المؤسسة لسلبيات تجاربها السابقة، التي عانت من قلّة الفرص التي تتيحها أمام الشباب الراغب بعرض أفلام روائية طويلة في أغلب الحالات، الأمر الذي يتطلب تكاليف إنتاجيّة عالية، فكان أن يقتصر الأمر على اسم أو اسمين. هذه المراعاة، وربما مُلاحظة التجارب السينمائية السورية الأخرى التي قامت خارج إطار الدعم السوري الرسمي، وحتى خارج الحدود السورية، ومن أبرزها تجربة مهرجان «DOX BOX» في التعامل مع الأفلام التسجيلية، والأفلام القصيرة، نتج عنه الذهاب نحو الأفلام القصيرة التي توسّع مساحة المشاركة وإمكانية عرض عدد أكبر من التجارب الشبابية المتنوعة، فكان أن شهد المهرجان عرض أربعين فيلماً قصيراً في دار الأوبرا في دمشق خلال النصف الثاني من شهر حزيران 2014. أكثر من ثلاثين منها أُنتجَ ضمن منح «دعم سينما الشباب» وستة أفلام قصيرة هي من إنتاجات المؤسسة العامة للسينما. 
«أفلام سينما الشباب» هو مشروع أطلقته المؤسسة في ربيع عام 2012، للشباب الهواة لإنتاج أفلامهم، ولهذه الفئة خصّصت المؤسسة عروض الحفلة الأولى من برنامج المهرجان اليومي، فيما عرضت حفلة منتصف اليوم أفلاما روائية قصيرة لشباب أكثر احترافاً. محترفون أو هواة، لم يبتعدوا في أفلامهم كثيراً عن «الأزمة السورية»، فقدّم سيمون صفية حكاية امرأة سورية تعرّضت للاغتصاب اسمها «جوليا»، والنساء هم ضحايا الحروب الأكثر استهدافاً بعد الأطفال بحسب تقدير منظمات دولية. أمّا فيلم صفية فقد نال جائزة أفضل إخراج، ممّا أتاح له مع أفلام أخرى فائزة فرصة إنتاج فيلم قصير احترافي بدعم من المؤسسة العامة للسينما. كذلك اشتغل محمود عبد الواحد على تداعيات الحرب الإنسانيّة، فقدّم فيلماً وثائقياً بعنوان «العصافير الجريحة» عن ضحايا هذه «الأزمة» من جرحى ومفقودين، أّمّأ وسيم السيد فلم يكن لديه جديد يُقدّمه في «ابتسم أنت تموت» وهو يتناول الموضوع الأكثر تداولاً في تاريخ الفن والأدب، الحب في زمن الحرب. 
لكن هل يمكن تقديم أفلام وثائقية عن ضحايا أزمة إنسانيّة قدّرتها الأمم المتحدة بكونها الأسوأ في بداية القرن الحادي والعشرين، ولا يُذكّر هول مأساتها إلاّ بهول المأساة الإنسانية في الحرب العالمية الثانية، بالاستناد إلى وجهة نظر واحدة في رؤية هذه المأساة؟ هل يمكن كسر قوانين الرقابة السورية على النص والعرض وكلاهما سابق لمشاهدة الجمهور لأي عمل فني بالاستعانة بأرقام وإحصائيات وشهادات ربما من خارج الخطاب الرسمي في عمل تدعمه المؤسسة الرسميّة؟! وهل الرقابة خارجية فقط، أم أننا مع اشتداد الأزمة وتفاقم مُنعكساتها حتى الأمنيّة قد ضاعفنا من رقابتنا الذاتية؟! أذكر هنا ما رواه لي أحد الشباب الجامعي ممّن تابع المهرجان: أنّه في أحد الأفلام تُعرض لقطة سريعة من حراك سلمي هتف فيه السوريون: (واحد.. واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد). فنظر هو واخته إلى بعضهما مفكرين هل يُصفقون أم لا! 
لا يمكن انكار التسهيلات التي تقدّمها المؤسسة في مبادرتها هذه، خاصة أنّها لا تتوقف في مستوى العرض، بل إلى جانب جوائز مالية متواضعة للأفلام الفائزة تعرض فرصاً لإنتاج أفلام جديدة، فإنّ المؤسسة ومن جهة ثانية نقلت الأفلام المعروضة إلى محافظات سورية أخرى لا تعرف من عواصف البلاد شيئاً، حيث أعلنت المؤسسة يوم 2 تموز 2014 عن انطلاق عروض «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الأول» في محافظة طرطوس. كذلك يُحتسب عامل التوقيت الذي راعى برنامج شهر رمضان الكريم حيث يَغرق المشاهد السوري والعربي بأطباق الدراما التلفزيونية المتنوعة، كما راعى الامتحانات في سوريا، فنجح المهرجان بعروضه المجانيّة في اكتساب جمهور شبابي كذلك معظمه من الطلبة الذين أنهوا امتحاناتهم ويبحثون عن متنفّسٍ لأرواحهم في مدينة سكنتها الحرب. لكن هل كل هذا كافٍ لوصف التجربة بالناجحة؟!
إن كانت الغاية في أن نقول، لا في ماذا نقول، فربما يمكن القول بنجاح المهرجان. إن كان من الممكن أن نقول حكايات حب في مدينة سكن زوايا شوارعها الجوع دون أن نتحدث عن هذا الجوع فيمكن القول بنجاح المهرجان. وعلى الطرف المقابل نقول بأنّ المهرجان نجح في كسر رتابة اليومي المحفوف بخطر الموت، بسرقة دقائق من القلق الإنساني الذي يعيش في كل سوري مؤلفاً، مخرجاً، ممثلاً، ومُشاهداً، لتتحوّل المشاهدة السينمائية إلى عرض مسرحي يكسر قوانين الخشبة حين يأخذ أبطاله من زمنهم الحاضر إلى زمنٍ مُشتهى، مُتخيّل، لا يُعرض أمامهم على الشاشة، ولا يعيشونه (الآن.. وهنا)، بل في مكانٍ ما، في زمنٍ ما.